في تطور ملحوظ يعكس تحولاً تدريجياً في مواقف بعض العواصم الغربية تجاه قطاع غزة، أبدت كل من بريطانيا وفرنسا وكندا موقفًا صارمًا وغير مألوف تجاه تل أبيب، ملوحة باتخاذ إجراءات حاسمة إذا لم توقف عملياتها العسكرية، ولم يمر هذا التحول دون أن يلفت نظر المراقبين، خاصة في ظل ارتباطه بسياقات أوسع تخص الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط.

مقال له علاقة: طلقة حدودية تزعزع الاستقرار ومقتل باكستاني برصاص هندي يهدد بخطر الحرب
وقرر القادة اتخاذ إجراءات صارمة، إذا لم توقف إسرائيل الهجوم العسكري الذي استأنفته على غزة، وإذا لم ترفع القيود على المساعدات.
موقف متسق
أشار الخبير العسكري اللبناني، العميد الدكتور خالد حمادة مدير المنتدى الإقليمي للاستشارات والدراسات، في تصريحات خاصة لـ”نيوز رووم”، إلى أن هذا الموقف الثلاثي لا يمكن قراءته بمعزل عن العلاقة الأمريكية المتجددة مع دول الخليج، والاهتمام الأمريكي المتزايد بتحقيق الاستقرار في المنطقة.
وقال الدكتور خالد: “يبدو أن هذا التوجه من لندن وباريس وأوتاوا يتناغم مع الموقف الأمريكي، الذي يأتي هذه المرة ولا يماهي إسرائيل بشكل مطلق في عدوانها”، وأضاف أن “هناك احتمالًا كبيرًا أن يكون هذا التنسيق مع واشنطن مقصودًا ومدروسًا، وقد يكون مدفوعًا أيضًا بدخول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على خط الأزمة عبر محاولة محدودة للتفاوض مع حركة حماس”
المصالح الغربية والخليجية
يرى الخبير العسكري اللبناني أن حرص هذه الدول على التنسيق مع دول الخليج في ملف غزة لا ينفصل عن رغبتها في استعادة دور فاعل في الإقليم، خصوصًا في ظل التقدم الأمريكي في فرض رؤية للسلام، وأكد أن “التهديد بإلغاء اتفاقيات الشراكة أو اتخاذ إجراءات ضد إسرائيل لم يأتِ دون التأكيد على التنسيق مع الدول الإقليمية، ومع الولايات المتحدة الأمريكية تحديدًا”.
الاعتراف بالدولة الفلسطينية
وأكد أن أحد أبرز المؤشرات على هذا التحول النوعي هو التلويح الغربي المتزايد بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، والتشديد المتكرر على ضرورة الالتزام بحل الدولتين، واعتبر أن “هذا الطرح قد يمثل نقطة تحوّل في السياسة الأوروبية والغربية بشكل عام تجاه الصراع في غزة”.
شروط أمريكية صارمة
ورغم هذا الحراك، لا يرى “حمادة” أن الولايات المتحدة مستعدة للدخول في مفاوضات على قاعدة الندية مع أي طرف، قائلاً: “واشنطن تسعى لأن تكون الضامن الوحيد لأي عملية سلام، وتريد تجاوز فكرة تبادل الأسرى، لتفرض معادلة جديدة تنزع سلاح حماس وتقصيها عن أي دور سياسي أو أمني في مستقبل غزة”
حل سياسي مشروط
وفي ضوء هذه التطورات، يرى حمادة أن غزة قد تكون على أعتاب حل سياسي شامل، لكن العائق الأكبر يكمن في موقف حركة حماس من مطالب الغرب بإطلاق سراح الرهائن، وهو ما تعتبره واشنطن شرطًا أساسيًا لإطلاق أي مسار تفاوضي.
وقال: “ربما تصل هذه الإجراءات إلى إعلان اعتراف غربي بدولة فلسطينية، وربما إلى تعليق شراكات، ولكن كل ذلك سيظل، في النهاية، تحت سقف المعادلة الأمريكية الخليجية، وتحت مظلة المصالح الأمريكية في المنطقة”
توتر إسرائيل
وقال اللواء الدكتور الأردني، صالح لافي المعايطة إن المتابع للمشهد الميداني والإنساني في قطاع غزة يجد أن إسرائيل متوترة في التخطيط والتنفيذ الميداني بسبب أنها لا زالت غير قادرة على تحقيق الأهداف السياسية للعملية العسكرية التي شنتها على قطاع غزة منذ 28 أكتوبر 2023، فلم تستطع تحرير الرهائن ولا القضاء على حماس ولا نزع سلاح حماس.
استفزاز المجتمع الدولي
وأضاف المعايطة أن إسرائيل لجأت إلى الانتقام من خلال التدمير والتجويع والتهجير، ما أدى إلى تحرك المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لوقف حرب الإبادة، كما تحركت دول كبرى ومؤثرة مثل بريطانيا وفرنسا وكندا والتلويح باتخاذ قرارات مؤلمة ضد إسرائيل وفرض عقوبات بشكل تصاعدي، وأكد أن هذه الإجراءات تشكل ضربة قوية لإسرائيل في ظل تراجع في الموقف الأمريكي وتهميش وتجاهل نتنياهو من قبل الإدارة الأمريكية، وإلغاء زيارة نائب الرئيس الأمريكي لإسرائيل التي كانت مقررة هذا الأسبوع.
تحول جذري في المواقف
وقال إن كل هذه التحولات والمواقف الإقليمية والدولية تعتبر صدمة وسابقة في علاقات إسرائيل القوية مع كل من بريطانيا وفرنسا وكندا وعدد من دول الاتحاد الأوروبي، وأكد أن هذا التحول الجوهري في الموقف الأوروبي هو لصالح القضية الفلسطينية، علمًا أن معظم قادة ورؤساء الدول الأوروبية زاروا إسرائيل وأعلنوا تضامنهم معها ودعمها، واليوم نرى أن المواقف الأوروبية تغيرت بسبب الغطرسة الإسرائيلية وممارستها لكل أنواع القتل والحصار والتجويع، وتوقع المعايطة، في هذه المرحلة أن تفرض دول أوروبا حظرًا على تصدير السلاح إلى إسرائيل لغايات الردع، كما توقع أنه إذا التقت الجهود العربية التي تقودها المملكة العربية السعودية ومصر ودولة الإمارات والأردن مع الجهود الأوروبية وجهود هيئة الأمم المتحدة في مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية.
قرارات حاسمة
أكد أنه سيكون هناك موقف قوي وتوجيه قرارات حاسمة وقوية لإسرائيل من أجل عودة الجميع إلى طاولة المفاوضات والحديث عن حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس الشرقية، ويتطلب هذا شجاعة المجتمع الدولي والدول الكبرى.
انقسام أوروبي
قال دكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي، إنه رغم أن الاتحاد الأوروبي يتكون من 27 دولة، إلا أن موقفه من الحرب الإسرائيلية على غزة لا يبدو موحدًا، بل يعكس انقسامًا واضحًا بين العواصم الأوروبية بشأن الموقف من إسرائيل والفلسطينيين، وأضاف أنه مع تزايد الكارثة الإنسانية في القطاع، تبدو ملامح تحولات محتملة في الموقف الأوروبي، خصوصًا إذا اشتدت الضغوط الأمريكية أو تفاقمت الكارثة في غزة.
دعم للفلسطينيين وآخر لإسرائيل
وأكد “صادق” أن مواقف الدول الأوروبية تتوزع بين تيارين رئيسيين؛ الأول أكثر تعاطفًا مع الفلسطينيين ويدعو إلى وقف إطلاق النار ومحاسبة إسرائيل على الانتهاكات، وتتصدره دول مثل أيرلندا وإسبانيا، حيث رفعتا الصوت مبكرًا دفاعًا عن المدنيين في غزة، وطالبتا بتحقيقات دولية ووقف فوري للعدوان، وفي المقابل، تقف دول أخرى بحزم إلى جانب إسرائيل، أبرزها ألمانيا والمجر، وتتبنى رواية “حق الدفاع عن النفس”، مع تجاهل نسبي لما يحدث في غزة من دمار إنساني واسع.
تحول محتمل في المواقف الأوروبية
وأشار إلى أنه رغم هذا الانقسام، تؤكد التقديرات إلى أن كارثة إنسانية كبرى، مثل وقوع مجاعة في غزة أو انهيار صحي كامل، قد تدفع أغلب الدول الأوروبية إلى مراجعة مواقفها والانضمام إلى خط أكثر حزماً ضد إسرائيل.
كما أن تصعيدًا محتملاً من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد إسرائيل قد يكون عامل ضغط إضافي يدفع الأوروبيين لتبني إجراءات عقابية.
خيارات العقوبات
وقال إنه حتى اللحظة، تظل خيارات العقوبات الأوروبية المحتملة على إسرائيل محدودة التأثير وغير مركزية، إذ تدرس في بعض الدوائر الأوروبية مقترحات تشمل: تجميد صفقات الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية، وفرض قيود على المنتجات القادمة من المستوطنات الإسرائيلية، وتعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، التي تمنح إسرائيل امتيازات تجارية واسعة في السوق الأوروبية
مقال له علاقة: واشنطن وطهران تتقدمان بحذر بعد المحادثات النووية الأمريكية
وأضاف أنه حتى لو نفذت هذه الخطوات، فستكون رمزية إلى حد كبير، بالنظر إلى أن المساعدات والتسليح الحيوي لإسرائيل تأتي أساسًا من الولايات المتحدة الأمريكية، وليس من أوروبا.
تغير المزاج الأوروبي
وأكد أنه رغم محدودية الأدوات، فإن استمرار الأزمة في غزة ووقوع كارثة إنسانية واسعة النطاق قد يغير المزاج العام داخل أوروبا، ويدفع باتجاه تصعيد دبلوماسي وربما اقتصادي ضد إسرائيل، ولو بشكل تدريجي أو انتقائي، خاصة إذا تزايد الضغط الشعبي والإعلامي داخل المجتمعات الأوروبية.
بيان ثلاثي
وكانت قد نشرت الحكومة البريطانية، بيانًا مشتركًا للدول الثلاث، قالت فيه إن منع الحكومة الإسرائيلية إدخال المساعدات الإنسانية الأساسية إلى السكان المدنيين أمر غير مقبول وينتهك القانون الإنساني الدولي.
وأضاف البيان: “نعارض أي محاولة لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، ولن نتردد في اتخاذ المزيد من الإجراءات، بما في ذلك فرض عقوبات محددة الهدف”
22 دولة تطالب بدخول المساعدات
كما طالب وزراء خارجية 22 دولة، من بينها فرنسا وألمانيا وبريطانيا وكندا واليابان وأستراليا، إسرائيل بـ”السماح مجددًا بدخول المساعدات بشكل كامل وفوري” إلى غزة تحت إشراف الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، وصدر بيان مشترك عن وزارة الخارجية الألمانية، أن الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية لا يمكنها دعم الآلية الجديدة لتسليم المساعدات في غزة التي اعتمدتها إسرائيل.