«مدينة كاملة»… نكشف أسرار اكتشاف أسيوط الأثري وأسماء أبطاله

كل كشف أثري يحمل في طياته قصة مثيرة، وحكاية معقدة تتطلب جهدًا كبيرًا ودراسة علمية دقيقة، والمتابعة المستمرة، لنتمكن من استخراج الكنوز والجواهر التاريخية، فليس من الضروري أن يكون الاكتشاف عبارة عن ذهب حتى يكتسب قيمة، فقد تكون قطعة صغيرة، أو جدارية بسيطة، أو بردية تحمل حلاً لمعضلة تاريخية مثيرة للجدل، أو تثبت حقيقة مشكوك فيها، أو حتى تنفي معلومات اعتقد الناس بصحتها لسنوات طويلة.

«مدينة كاملة»… نكشف أسرار اكتشاف أسيوط الأثري وأسماء أبطاله
«مدينة كاملة»… نكشف أسرار اكتشاف أسيوط الأثري وأسماء أبطاله

الوزارة تعلن عن كشف أثري

أعلنت وزارة السياحة والآثار بالأمس عن كشف أثري فريد من نوعه، يتعلق بمبنى أثري تم اكتشافه في منطقة منقباد بأسيوط، وقد يبدو الأمر عاديًا في البداية، لكن التفاصيل هنا تستحق الوقوف عندها.

كشف خاص للغاية

تواصلت خبر صحمع بعض المصادر داخل وزارة السياحة والآثار، التي أفادت بتفاصيل حصرية ننفرد بنشرها، حيث أكد مصدر مطلع أن هذا ليس مجرد مبنى عادي، بل هو نتيجة جهد متواصل منذ عام 1976، حيث عملت عدة بعثات في تلك المنطقة، التي تعتبر مدينة كاملة، تم فيها سابقًا الكشف عن بيت حاكم المدينة من الطوب، بالإضافة إلى كنائس صغيرة وكبيرة، ومباني سكنية، ومخازن غلال، ومصنع زيتون، وأحواض وأفران وأواني فخارية، وكذلك تم العثور على جدران تحمل آيات قرآنية، وعملات من العصر المملوكي، مما يشير إلى أن المدينة استمرت في السكن حتى العصر الإسلامي، كما تم اكتشاف جدارية في عام 2024، لتتوج تلك الاكتشافات بالكشف عن مبنى مكتمل يتكون من عدة طبقات.

البعثة الأثرية

أضاف المصدر أن البعثة الأثرية المصرية العاملة في الموقع تتكون من عدة تخصصات، تشمل الآثاريين، والمساحيين، والمرممين، والإداريين، والموثقين لكل ما يتم اكتشافه، بالإضافة إلى متخصصين في الرفع المعماري، والتصوير والرسم الأثري، وأشار إلى أن المبنى المكتشف يقع على عمق 6 أمتار تحت سطح الأرض، وتم الدخول إلى كافة تفاصيله وتسجيل كل ما تم اكتشافه، وعمل الترميمات اللازمة له.

دور الترميم

قام المرممون بدور بارز في هذا الكشف تحت قيادة خالد عبد الملك، مدير إدارة ترميم أسيوط، حيث تم تقوية جدران المبنى، وعزل الجداريات، وتقويتها، بالإضافة إلى إجراء الترميمات اللازمة لطبقات الملاط وبعض اللقى الأثرية.

من هم أعضاء البعثة؟

تكونت البعثة من مجموعة من الآثاريين والمرممين، ومن بينهم محمود محمد، مدير البعثة والمشرف على الموقع، ومحمد كامل، متخصص في المسح الأثري ونظم المعلومات الجغرافية، وأحمد ممدوح، والهيثم أحمد، وأحمد عبد الوهاب، وعيسى مظهر، متخصصون في الحفائر، وسارة جمال وآيات مختار، أخصائيتان في الحفائر والتوثيق الأثري، وجهاد هانئ متخصص في الفخار والتصوير الأثري، ورفيدة عادل متخصصة في الرسم الأثري، وذلك تحت إشراف الدكتور نشأت حسن، المشرف العام على مناطق آثار أسيوط.

تمكنت البعثة بعد جهود استمرت لموسم كامل من الكشف عن هذا المبنى الضخم، الذي يتكون من الطوب اللبن ويعود تاريخه إلى الفترة ما بين القرنين السادس والسابع الميلادي.

تصريحات قيادات الوزارة

أوضح الدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أن المبنى المكتشف مطلي بطبقة من الملاط الأبيض ويتكون من مستويين، حيث تم العثور بداخلهما على عدد من الجداريات الهامة.

وأشار الدكتور جمال مصطفى، رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بالمجلس الأعلى للآثار، إلى أن المستوى الأول من المبنى يحتوي على ثلاث صالات متوازية، تليها غرفتان، مع سلم هابط يؤدي إلى المستوى السفلي، الذي يضم ثلاث قلايات متوازية وغرفتين للمعيشة، تحتويان على العديد من اللقى الأثرية من الفخار والأحجار.

من أبرز هذه اللقى شاهد قبر لأحد القديسين، مكتوب عليه نصوص قبطية توضح اسم القديس وتاريخ وفاته، بالإضافة إلى العديد من الأنفورات بأحجام مختلفة تحمل بعض الحروف القبطية، وإفريز حجري مزخرف يمثل بقايا غزال وأسد، وبعض الأواني الفخارية متعددة الاستخدامات.

أكد محمود محمد، مدير عام منطقة آثار شرق أسيوط، أن البعثة مستمرة في أعمال الحفائر ودراسات الجداريات المكتشفة، لمعرفة المزيد عن أسرار هذا المبنى وأهميته.

منطقة آثار منقباد

تقع منطقة آثار منقباد في قرية منقباد التابعة لمركز ومحافظة أسيوط، شمال غرب مدينة أسيوط، وتبعد عنها حوالي 12 كم، وتقع في الجنوب الغربي من الطريق السريع، وتبعد عن مطار أسيوط الدولي بحوالي 22 كم، وتم الكشف عن المنطقة عام 1965، وبدأ العمل الفعلي فيها عام 1976 على فترات غير متصلة، حيث توالت مواسم الحفائر حتى عام 2010، ثم استؤنف العمل بموسم 2024.

جدارية العيون المبنى كاملًا شاهد القبر جدارية يوسف النجار.