مع بداية صيف 2025، تواجه مصر تحديات متزايدة في قطاع الطاقة، حيث شهدت البلاد ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات الاستهلاك وتراجعًا نسبيًا في الإمدادات المحلية، مما أدى إلى زيادة فاتورة استيراد الوقود لتصل إلى حوالي 2 مليار دولار شهريًا، وفقًا لتأكيد الدكتور جمال القليوبي، أستاذ هندسة الطاقة.

اقرأ كمان: مصر والسويد تعززان شراكتهما الاستراتيجية من خلال توقيع اتفاقيات جديدة ونمو اقتصادي
هذا الوضع أعاد ترتيب أولويات الحكومة، خصوصًا فيما يتعلق بتوزيع الغاز بين قطاعات الكهرباء والصناعة والوحدات السكنية، وسط جهود حثيثة للتوسع في بدائل الطاقة، خاصة المتجددة منها، لضمان استقرار الشبكة القومية وعدم تكرار سيناريو الصيف الماضي.
فاتورة ثقيلة.. وتغير في الخريطة
يقول القليوبي في تصريحات خاصة لـ”نيوز رووم”، إن مصر كانت تعتمد قبل العودة إلى استيراد الغاز الطبيعي على إنتاجها المحلي، حيث كانت الفاتورة الشهرية للوقود تصل إلى حوالي 1.3 مليار دولار، دون احتساب حصة الشريك الأجنبي، لكن الآن، نتيجة الحاجة لتلبية الطلب المحلي وتراجع إنتاج بعض الحقول، ارتفع الرقم إلى 2 مليار دولار شهريًا، وهو رقم يشمل الغاز والبوتاجاز ومستحقات الشركاء الأجانب.
وأوضح أن العودة للاستيراد لم تكن خيارًا سهلًا، خاصة بعد النجاحات التي تحققت في توصيل الغاز الطبيعي لـ15.2 مليون وحدة سكنية، وتقليص واردات البوتاجاز إلى 3.5 مليون طن سنويًا، لكن تراجع معدلات الإنتاج في بعض الحقول مثل ظهر ونورس زاد الضغط على الشبكة.
د.جمال القليوبى.
صناعة تحت الضغط.. الصناعات كثيفة الاستهلاك تدفع الثمن
التوجه الحكومي الحالي – بحسب مصادر من وزارة البترول – يعتمد على إعادة توزيع الغاز الطبيعي وفق أولويات الصيف، مما يعني تقليل إمدادات الغاز لبعض الصناعات كثيفة الاستهلاك، لتوجيهه نحو الكهرباء والوحدات السكنية.
من نفس التصنيف: رئيس الوزراء يعلن عن دعم حكومي بنسبة 60% لمشروعات الإسكان الاجتماعي
وهو ما أكده القليوبي بقوله، إن فصل الصيف الحالي يشهد إعادة ترتيب لأولويات الطاقة، حيث ستُقلَّص حصص بعض الصناعات من الغاز، مقابل الحفاظ على استقرار منظومة الكهرباء.
المتجددة تدخل المعادلة
ولتقليل الضغط على الغاز، بدأت مصر في تسريع تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة، حيث أُدخلت مؤخرًا 1200 ميجاوات من طاقة الرياح إلى الشبكة، ضمن خطة لتعويض عجز كان يبلغ 4000 ميجاوات خلال أوقات الذروة، وفق ما كشف عنه القليوبي.
وتستعد الدولة لإطلاق موجة افتتاحات جديدة لمحطات طاقة الرياح والطاقة الشمسية خلال النصف الثاني من 2025، في محاولة لتعزيز الاستقلالية وتقليل الاعتماد على الواردات.
أولوية عاجلة: ضمان أمن الطاقة
يرى خبراء أن ما يحدث حاليًا هو فرصة لإعادة هيكلة القطاع بأكمله، من خلال:
تحفيز الاستثمارات في التنقيب والإنتاج،.
توسيع مشروعات الربط الكهربائي الإقليمي،.
تسريع وتيرة التحول للطاقة النظيفة،.
تحسين كفاءة الاستهلاك، خاصة في القطاع الصناعي.
وتابع القليوبي، بأنه لا يمكننا الاستمرار في الاعتماد على الاستيراد بهذه الوتيرة، فلا بد من حلول هيكلية تعيد التوازن بين الاستهلاك والإنتاج المحلي، وتحافظ على استقرار الاقتصاد الكلي.
شتاء الغاز يبدأ في الصيف
في ضوء هذه المعطيات، تبدو الأسابيع المقبلة حاسمة في قدرة مصر على عبور موسم الذروة دون أزمات، معتمدة على مزيج من ترشيد الاستهلاك وإدارة الأولويات والتوسع في مصادر الطاقة البديلة.
وفي ظل تقلبات سوق الطاقة العالمية وارتفاع أسعار الغاز المسال، فإن ضمان أمن الطاقة الوطني لم يعد رفاهية، بل ضرورة اقتصادية واستراتيجية.