أزمة ثقة بين البنتاجون والبيت الأبيض بعد تسريب وثيقة سرية

فقد البيت الأبيض ثقته في التحقيق الذي أجرته وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) حول تسريب وثيقة عسكرية سرية استخدمها وزير الدفاع بيت هيجسيث لتبرير إقالة ثلاثة من كبار مساعديه الشهر الماضي، وذلك وفقًا لما ذكرته صحيفة “الجارديان” البريطانية.

أزمة ثقة بين البنتاجون والبيت الأبيض بعد تسريب وثيقة سرية
أزمة ثقة بين البنتاجون والبيت الأبيض بعد تسريب وثيقة سرية

وأبلغت الوزارة مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن الكشف عن التسريب جاء نتيجة عملية تنصت غير قانونية من قبل وكالة الأمن القومي.

تنصت غير دستوري

أثار احتمال استخدام عمليات تنصت غير قانونية قلق مستشاري ترامب، الذين ناقشوا الأمر أيضًا مع أشخاص مقربين من نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، حيث اعتبروا أن هذا التنصت قد يكون “غير دستوري وفضيحة أكبر” من العديد من التسريبات.

ادعاء غير صحيح

لكن المستشارين اكتشفوا أن الادعاء بوجود عملية تنصت “غير صحيح”، وعبّروا عن استيائهم من تلقيهم معلومات مشكوك فيها من المحامي الشخصي لهيجسيث، تيم بارلاتوري، الذي كُلّف بالإشراف على التحقيق.

ووفقًا لأربعة أشخاص مطلعين على التفاصيل، فإن مزاعم وجود عملية تنصت غير قانونية ثم اكتشاف كذب هذه المزاعم أصبح التحول الأكثر غرابة في التحقيق الذي فحص تسريب وثيقة سرية للغاية لأحد الصحافيين، والتي حددت الخيارات المتاحة للجيش الأميركي لاستعادة قناة بنما.

وأصيب مستشارو البيت الأبيض بالحيرة عندما أنكر المحامي الشخصي لهيجسيث أنه تحدث عن وجود عملية تنصت غير قانونية، وأكد أن أي معلومات كانت لديه “تم تمريرها إليه من قبل آخرين في البنتاجون”.

وقد نُسب التسريب في البداية داخليًا إلى المستشار البارز لهيجسيث، دان كالدويل، الذي تم طرده من البنتاجون مع مساعدين آخرين، وهما نائب كبير موظفي هيجسيث، دارين سيلنيك، وكبير موظفي نائب وزير الدفاع، كولن كارول.

انهيار الثقة

أدى الادعاء بشأن التنصت غير القانوني وإنكار كالدويل لمسؤوليته عن التسريب إلى انهيار الثقة بين البنتاغون والبيت الأبيض، حيث أشار مستشارو ترامب الذين يتابعون التحقيق سراً إلى أنهم لم يعودوا متأكدين مما إذا كانوا يعرفون من يجب تصديقه أو ما الذي ينبغي تصديقه.

وقال أحد مستشاري ترامب لهيجسيث إنه “لا يعتقد أن كالدويل، أو أي من المساعدين المفصولين، قد سربوا أي شيء، ويشتبه في أن التحقيق قد استُخدم للتخلص من المساعدين المتورطين في صراع داخلي مع كبير موظفيه الأول جو كاسبر”.

زيادة الضغوط

وقالت “الجارديان” إن الوضع المتوتر بين البنتاجون والبيت الأبيض من شبه المؤكد أنه سيزيد الضغوط على هيغسيث قبل جلسة استماع في مجلس الشيوخ الشهر المقبل، وكذلك الضغوط على مكتبه الذي يعاني من اضطرابات بسبب التحقيق في التسريب الذي استمر الآن لمدة شهر تقريبًا دون أي أدلة جديدة أو إحالة إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي.

وقد أدى هذا الخلاف إلى ترك هيجسيث دون رئيس أو نائب لرئيس الموظفين، حيث يعتمد الآن على ستة مستشارين كبار لتسيير شؤون مكتبه، الذي يضطلع بتحديد توجهات وزارة الدفاع التي تبلغ ميزانيتها ما يقارب تريليون دولار وتشرف على أكثر من مليوني جندي.

بينما تولى المساعد العسكري السابق لهيجسيث، ريكي بوريا، فعليًا مهام رئيس الموظفين، فقد منعه البيت الأبيض من تثبيته رسميًا في هذا المنصب بسبب قلة خبرته ومشاركته في الخلافات الداخلية في المكتب.

وذكر متحدث باسم البيت الأبيض في بيان أن “الرئيس ترامب واثق من قدرة الوزير على ضمان تركيز القيادة العليا في وزارة الدفاع على استعادة جيش يركز على الجاهزية والقدرة القتالية والتميز”.

شائعات في البنتاجون

بعد فصل المساعدين في 18 أبريل الماضي، أصدروا بيانًا مشتركًا نفوا فيه ارتكاب أي مخالفات، وتلقى البيت الأبيض بعدها أول إحاطة بشأن عمليات الفصل.

وفي تلك المرحلة، قيل لعدد قليل من مستشاري ترامب في الجناح الغربي وأماكن أخرى إن هناك أدلة تشير إلى أن كالدويل طبع وثيقة عن خطط عسكرية أميركية بشأن قناة بنما مصنفة على مستوى سري للغاية، والتقط صورة لها وأرسلها إلى أحد المراسلين باستخدام هاتفه الشخصي.

وشعر المستشارون بالقلق في الأسابيع التالية، بعد ظهور كالدويل في بودكاست تاكر كارلسون، مقدم البرامج السابق في قناة “فوكس نيوز”، حيث ندد بفصلهم باعتباره نتيجة لسياسات داخلية في البنتاغون، وزعم أن التحقيق أصبح سلاحًا ضدهم.

ثم علموا لاحقًا بشائعة في البنتاجون تفيد بأن مكتب التحقيقات الخاصة بالقوات الجوية (OSI)، الذي كان يحقق في القضية منذ أسابيع، ربما تمكن من تحديد الوثيقة المسرّبة المتعلقة بقناة بنما، استنادًا إلى كونها مسودة تفتقر إلى بعض التفاصيل التي تضمنها الإصدار النهائي من الوثيقة.

وبحسب ما ورد، فإن هذه الوثيقة دفعت مكتب التحقيقات الخاصة بالقوات الجوية إلى تركيز تحقيقه على مساعدين من المستوى المتوسط كانوا يعملون في القيادة الجنوبية أو القيادة المركزية الأميركية، أو لدى هيئة الأركان المشتركة، ولم يُطلب منهم التركيز على أنشطة المساعدين الثلاثة الذين أُقيلوا إلا في عطلة نهاية الأسبوع التي تلت طردهم من مناصبهم.

ولم يتضح فورًا ما إذا كانت الشائعة صحيحة أو حتى من أين نشأت، لكن يبدو أنها دفعت البيت الأبيض إلى الضغط على بارلاتوري للكشف عن الأدلة ضد كالدويل، بما في ذلك كيفية معرفة البنتاغون بما كان موجودًا على هاتفه.

الأدلة الأساسية

في البداية، رفض تيم بارلاتوري محاولات الحصول على أدلة، وقال إنه من غير المناسب للسلطة التنفيذية أن تتدخل في تحقيق جنائي جارٍ قد يؤدي إلى توجيه تهم.