«يديعوت آحرونوت» تبدأ تحقيقًا في “التمويل الغامض” لمبادرة المساعدات في غزة

أطلقت مبادرة جديدة لتوزيع المواد الغذائية في قطاع غزة، ورغم ذلك، فإن الغموض الذي يحيط بمصادر تمويلها أثار تساؤلات حادة حول الشفافية، وسط اتهامات بتورط إسرائيل في تمويل هذه المبادرة بشكل سري، وذلك وفقًا لتحقيق موسع أجرته صحيفة يديعوت آحرونوت.

«يديعوت آحرونوت» تبدأ تحقيقًا في “التمويل الغامض” لمبادرة المساعدات في غزة
«يديعوت آحرونوت» تبدأ تحقيقًا في “التمويل الغامض” لمبادرة المساعدات في غزة

وفي الوقت الذي أكد فيه السفير الأمريكي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، أن “عدة جهات التزمت بتقديم التمويل”، فإن هذه الجهات امتنعت عن الكشف عن هويتها، مما زاد من تعقيد المشهد.

يديعوت آحرونوت: من يمول مبادرة المساعدات

وفي تصريح سابق لهاكابي خلال الإعلان عن آلية التوزيع الجديدة قبل أكثر من أسبوعين، أوضح أن التمويل “سيأتي من أي جهة يمكن تأمينه منها”، مشيرًا إلى أن بعض الجهات وافقت على تقديم الدعم لكنها “لا ترغب حالياً في الكشف عن هويتها”، وأضاف أن إعلان هذه الجهات سيتم “عندما تكون جاهزة” دون تحديد إطار زمني.

وفي خطوة أثارت مزيداً من التساؤلات، أعلنت مؤسسة “غزة الإنسانية” (GHF)، التي تعرضت سابقًا لتحقيق في سويسرا، أنها ستبدأ العمل من خلال كيان أمريكي غير ربحي يحمل الاسم نفسه.

وفي تصريحات حديثة، أكد متحدث باسم المؤسسة أن “دولة أجنبية” تعهدت بتقديم 100 مليون دولار لتمويل الأنشطة المستقبلية، إلا أنه رفض الكشف عن اسم هذه الدولة.

يديعوت آحرونوت: من يمول مبادرة المساعدات

انسحاب الموزعين الأمريكيين

ورغم بدء تشغيل مركزين لتوزيع الأغذية في القطاع، إلا أن الفوضى سادت اليوم الأول من العمليات، حيث شهد مركز التوزيع في منطقة تل السلطان برفح اقتحام مئات المواطنين، مما أجبر موظفي شركة SRS الأمريكية، المتعاقدة لإدارة التوزيع، على الانسحاب.

وبينما نفت السلطات الإسرائيلية وقوع عمليات نهب، أكد شهود عيان وممثلون عن الشركة سرقة طرود المساعدات المتبقية بعد انسحاب الطاقم.

موجة من الانتقادات السياسية داخل إسرائيل

وقد فجرت هذه الأحداث موجة من الانتقادات السياسية داخل إسرائيل، حيث اتهم زعيم المعارضة يائير لابيد الحكومة بتمويل المساعدات سراً من خلال شركات وهمية في سويسرا والولايات المتحدة، متسائلاً: “هل يُعقل أن يكون رئيس الوزراء ووزير المالية قد أرسلا أجهزة الأمن لتحويل أموال إسرائيلية إلى الخارج، ثم إعادتها إلى غزة كمساعدات؟”

ورد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي على هذه الاتهامات بالنفي القاطع، مكتفياً بالقول: “إسرائيل لا تمول إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة” دون تقديم تفاصيل إضافية

كما أطلق زعيم حزب “إسرائيل بيتنا”، أفيجدور ليبرمان، اتهاماً مماثلاً، زاعماً أن جهاز “الموساد” هو من يقف وراء تمويل المبادرة، وهو ما نفاه مكتب رئيس الوزراء كذلك، متهماً من يروج لهذه الروايات بـ”الكذب”.

ورداً على الاضطرابات، أشار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى أن ما جرى في رفح هو “فقدان مؤقت للسيطرة”، مؤكداً في خطابه مساء الثلاثاء أن “الفكرة تكمن في استخدام المساعدات الإنسانية كأداة ضد حماس” بهدف “حرمان الإرهابيين من أدوات الحكم”.

من جانبه، وصف بتسلئيل سموتريتش، زعيم حزب “الصهيونية الدينية”، افتتاح مراكز التوزيع بأنها “نقطة تحول في الحرب”، معتبراً أنها ستمهد الطريق لـ”تدمير حماس”.

حركة حماس تدين المبادرة

في المقابل، أدانت حركة حماس المبادرة، متهمةً إسرائيل باستخدامها “كأداة للسيطرة الأمنية”، ومؤكدة في بيان أن “المشاهد المروعة في مراكز التوزيع، حيث أُطلق النار على المدنيين، تُثبت فشل هذه المبادرة”، ووصفت الحركة المشروع بأنه “مسار مذل يُفرض على المحتاجين ويُستخدم كوسيلة ضغط”، داعيةً المجتمع الدولي للتدخل.

ووسط هذا الجدل، كشفت صحيفة واشنطن بوست أن منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق (COGAT) بدأ في أواخر 2023 بالترويج لمبادرة “الفقاعات الإنسانية” بقيادة وزير الدفاع حينها يوآف جالانت، وهي المبادرة التي تتشابه إلى حد كبير مع المشروع الحالي.

وبحسب وثيقة سرية صادرة عن مؤسسة GHF، فقد تم وضع خطة لإشراك دول غربية وشخصيات عربية مؤثرة لدعم المشروع، مع توصيات بتقديم تفسيرات حول حصول المنظمة على موافقات استثنائية من الحكومة الإسرائيلية.

أما صحيفة نيويورك تايمز، فقد كشفت أن مناقشات المبادرة بدأت قبل نحو 18 شهراً ضمن اجتماعات خاصة نظمتها مجموعة تُعرف باسم “منتدى ميكفيه إسرائيل”، والتي ضمت ضباطاً عسكريين ورجال أعمال وشخصيات على صلة وثيقة بالحكومة الإسرائيلية.

ومن أبرز الأسماء التي ذكرتها الصحيفة: يوتام كوهين، المستشار الاستراتيجي ونجل اللواء المتقاعد غيرشون هكوهين؛ وليران تانكمان، رائد الأعمال في مجال التكنولوجيا؛ ومايكل آيزنبرغ، مستثمر بارز في رأس المال الاستثماري

كما أفادت هآرتس بأن اختيار شركة SRS لإدارة التوزيع تم بعملية سرية تجاوزت الإجراءات الرسمية، بإشراف مباشر من اللواء رومان غوفمان، السكرتير العسكري الحالي لنتنياهو، وأشارت إلى أن العملية استبعدت كلاً من وزارة الدفاع وجيش الدفاع الإسرائيلي.

يديعوت آحرونوت: من يمول مبادرة المساعدات

تحقيق يديعوت آحرونوت

وفي تحقيق منفصل نُشر على موقع واي نت من قبل “شومريم”، تبين أن المنظمات التي أسست GHF في سويسرا وديلاوير قد تم إغلاقها نهائياً، وأن المؤسسة ستواصل عملها من خلال كيان جديد مسجل في الولايات المتحدة منذ فبراير 2024، ومن المتوقع أن يتلقى هذا الكيان الجديد، الذي يحمل أيضاً اسم GHF، التبرعات، رغم استمرار الغموض حول مصادرها.

وسط هذه الملابسات، يبقى السؤال الأهم: من يمول فعلاً المساعدات الإنسانية في غزة؟ وهل المبادرة تُدار بالفعل لأهداف إنسانية بحتة، أم أنها غطاء لسياسات أعمق؟ في ظل غياب الشفافية وتضارب الروايات، تبقى الشكوك قائمة والتوترات متصاعدة