تحل اليوم 28 مايو الذكرى الخامسة عشرة لرحيل الكاتب والسيناريست الكبير أسامة أنور عكاشة، الذي يُعتبر أحد أبرز أعمدة الكتابة الدرامية في مصر والعالم العربي، رحل عنا عام 2010 بعد مسيرة غنية بالأعمال الخالدة التي تركت بصمة عميقة في وجدان المشاهدين، ولا تزال تُعرض وتُناقش حتى الآن.

مقال له علاقة: حلا شيحة تطلق قناتها على “يوتيوب” وتدعو جمهورها للانضمام إليها
وُلد عكاشة في 27 يوليو عام 1941 بمدينة طنطا بمحافظة الغربية، لكنه انتقل في سنوات طفولته المبكرة إلى كفر الشيخ حيث كان يعمل والده، عانى في طفولته من فقد والدته وهو في السادسة من عمره، وهو الحزن الذي رافقه طوال حياته، وتجلى لاحقًا في كتاباته التي عبرت بصدق عن مشاعر الفقد، والحنين، والحاجة للحب والاحتواء.
من الأخصائي الاجتماعي إلى عميد كتاب الدراما
حصل عكاشة على ليسانس الآداب من قسم الدراسات النفسية والاجتماعية بجامعة عين شمس عام 1962، وبدأ حياته العملية كأخصائي اجتماعي في مؤسسة لرعاية الأحداث، ثم انتقل إلى التدريس بمحافظة أسيوط، وبعدها عمل في العلاقات العامة بديوان محافظة كفر الشيخ، ثم في رعاية الشباب بجامعة الأزهر حتى عام 1982، حين قرر تقديم استقالته ليتفرغ تمامًا للكتابة.
كان هذا القرار نقطة تحول في حياته، إذ مكّنه من الانطلاق بحرية نحو مشروعه الأدبي والدرامي الكبير، مشروع حمل فيه هموم المواطن البسيط، وأسئلته الوجودية، وتطلعاته للعدالة والكرامة، ورسم عبر الشاشة ملامح وطن يتحول ويتغير، دون أن يفقد إنسانيته.
دراما صنعت ذاكرة أمة
عُرف أسامة أنور عكاشة بأنه “المهندس الروحي” لدراما الثمانينيات والتسعينيات، حيث لم يخلُ موسم رمضاني في تلك السنوات من مسلسل يحمل توقيعه، كانت أعماله مرايا اجتماعية عكست أحوال الناس، وطرحت أسئلة جريئة حول الهوية، والانتماء، والتغيرات الاجتماعية والسياسية التي شهدها المجتمع المصري.
مواضيع مشابهة: المشروع X يتصدر وإيردات وسيكو سيكو في المرتبة الثانية أمس في السينما
من أبرز أعماله التلفزيونية:
ليالي الحلمية: العمل الملحمي الذي جسّد تاريخ مصر من عصر الملك فاروق حتى التسعينيات، وضم أكثر من 300 ممثل في خمسة أجزاء متتالية.
أبو العلا البشري: الذي ناقش صراع القيم من خلال شخصية مثقف قادم من الأرياف إلى قلب العاصمة.
الشهد والدموع: قصة انتقام وعقاب أخلاقي وإنساني، تناولت الصراع داخل العائلة المصرية.
ضمير أبلة حكمت: أولى تجارب فاتن حمامة في الدراما، ناقش مشاكل التعليم وقضايا المراهقين من منظور إنساني تربوي.
الراية البيضاء، أرابيسك، زيزينيا، المصراوية: وغيرها من الأعمال التي لم تكن مجرد مسلسلات، بل وثائق فنية واجتماعية شكلت ذاكرة جمعية لجيل كامل.
حضور بارز في السينما والمسرح
رغم قلة إنتاجه السينمائي مقارنة بالدراما، إلا أن عكاشة قدّم أعمالًا تركت أثرًا لا يُنسى، مثل كتيبة الإعدام، دماء على الإسفلت، الهجامة، ونجح في نقل أفكاره الجريئة إلى الشاشة الكبيرة بلغة سينمائية مميزة.
أما في المسرح، فكان له نصوص مثل “القانون وسيادته”، “البحر بيضحك ليه”، و”الناس اللي في الثالث”، حملت نفس رؤاه الاجتماعية والسياسية، وكان المسرح بالنسبة له ساحة إضافية للتعبير عن مواقفه الفكرية الصلبة.
مثقف صاحب موقف
لم يكن عكاشة مجرد كاتب مسلسلات، بل كان مثقفًا حقيقيًا، يرى في الفن أداة للتنوير، ويرفض التزييف والخضوع، عُرف بجرأته في التعبير عن آرائه السياسية، وانتقاد التيارات الظلامية، وانحيازه الدائم للعقل والتنوير، كثير من أعماله حملت نقدًا مبطنًا أو مباشرًا للسلطة، للفساد، وللتغيرات الاجتماعية المفروضة.
حياة هادئة خلف الأضواء
رغم شهرته الواسعة، لم يكن عكاشة من محبي الظهور الإعلامي، وفضّل أن تبقى حياته الشخصية بعيدًا عن الأضواء، تزوج مرتين، الأولى من السيدة “سهير”، والثانية من “عبير عبد المجيد”، وكان أبًا لأسرة هادئة تتوارى خلف صخب أعماله.
الرحيل والخسارة الكبرى
في صباح يوم الجمعة 28 مايو 2010، أسلم أسامة أنور عكاشة الروح بعد صراع مع مرض السرطان، عن عمر ناهز 68 عامًا، في مستشفى وادي النيل بالقاهرة، وكان رحيله خسارة كبرى للساحة الفنية والثقافية، فراغ لم يُملأ حتى اليوم، رغم محاولات عدد من الكتّاب الشباب السير على خطاه.