رغم مرور عدة أسابيع على توقف العمليات العسكرية الأميركية ضد الحوثيين في اليمن، إلا أن واشنطن لم تُصدر حتى الآن أي تقييم رسمي حول نتائج هذه الحملة، سواء من الناحية العسكرية أو فيما يتعلق بالمخاطر التي لا يزال الحوثيون يشكلونها على الملاحة في المياه الدولية.

اقرأ كمان: حروب قوائم الانتظار: صراعات قد تغير موازين القوى العالمية
وفي تصريح لوسائل الإعلام العربية، اعتبر مسؤول أميركي أن استهداف القدرات العسكرية للحوثيين كان خطوة إيجابية، حيث أشار إلى أن الحوثيين توقفوا حاليًا عن قصف السفن في المياه الدولية أو مهاجمة القطع البحرية الأميركية، وأضاف: “هذا أمر جيد، لقد عدنا إلى وضع يشبه ما كان قائمًا قبل الخامس عشر من مارس 2025”
تهريب الأسلحة
داخل أروقة القرار في واشنطن، يتواصل النقاش المكثف حول المسار الذي تسلكه التطورات المتعلقة بالحوثيين، سواء في تعاملهم مع الدول المجاورة أو في علاقاتهم بإسرائيل والمجتمع الدولي بشكل عام.
ويُعتبر حجم التكلفة التي تكبدتها الولايات المتحدة أحد أبرز محاور الجدل، حيث أنفقت واشنطن ما يقدر بمليار دولار على الذخيرة، بالإضافة إلى ملايين الدولارات لتشغيل السفن الحربية والطائرات التي تم نشرها في المنطقة خلال الحملة، ناهيك عن الخسائر المادية المتمثلة في فقدان طائرتين من طراز “إف-18” وما لا يقل عن تسع طائرات مسيرة من نوع “إم كيو-9”.
إيران تواصل تهريب الأسلحة إلى الحوثيين
اقرأ كمان: ماليزيا تنتقد “اللامبالاة وازدواجية المعايير” تجاه سكان غزة
ورغم هذا الثمن الباهظ، تشير تقديرات أميركية غير رسمية إلى أن الحوثيين خسروا نحو 80% من قدراتهم، بعد استهداف مخازن الصواريخ ومراكز التصنيع ومنشآت الرادار ومراكز القيادة والسيطرة الخاصة بهم.
ورغم هذه الخسائر، لا يزال التهديد الحوثي قائمًا، حيث يشير أحد المسؤولين الأميركيين إلى أن الجماعة تمكنت في أكثر من مناسبة على مدار السنوات الماضية من تفادي الانهيار الكامل، ويُضيف أن الخطر الحقيقي يكمن الآن في قدرة الحوثيين على إعادة بناء ترسانتهم العسكرية، مستندين إلى توفر المعرفة التقنية والخبرة اللازمة.
المشكلة المستعصية
يُشكل تهريب الأسلحة من إيران إلى الحوثيين محورًا دائمًا للقلق الأميركي، حيث يؤكد المسؤولون أن إيران تواصل إرسال الأسلحة والذخائر للحوثيين عبر الطرق البحرية والبرية، وأن الجماعة تمتلك قنوات متعددة لاستقبال هذه الإمدادات.
وقد حاولت واشنطن مرارًا الحد من عمليات التهريب، لكن دون جدوى تُذكر، ويُعزى ذلك إلى طبيعة الجغرافيا والتعقيد اللوجستي الذي يتطلب جهودًا ضخمة لقطع طرق التهريب بالكامل.
ولمكافحة هذا التحدي، يتعاون الأميركيون مع القوات الحكومية اليمنية، وخصوصًا قوات خفر السواحل، الذين يتلقون تدريبات على يد الأسطول الأميركي الخامس.
وقد تمكنت هذه القوات من اعتراض بعض الشحنات المهربة ونشر صورها، لكن هذه النجاحات تبقى محدودة، ولا ترقى إلى مستوى منع التهريب بشكل شامل.
ووصف أحد المسؤولين الأميركيين الحل الكامل لهذه الأزمة بأنه يتطلب “استراتيجية أميركية وطنية شاملة”، تشمل نشر قطع بحرية عديدة وأسراب طائرات للمراقبة، بالإضافة إلى عمليات برية واسعة لقطع جميع طرق التهريب، وهو ما لا تملكه واشنطن حاليًا، خاصة في ظل انشغالها بتحديات استراتيجية أخرى، تشمل التهديدات القادمة من أوروبا والصين، إضافة إلى حماية حدودها الداخلية.
وقال المسؤول إن تهريب السلاح إلى الحوثيين يشبه “فيضانًا مستمرًا”، وأن الأولوية الأميركية في الوقت الراهن تتركز على مواجهة تلك التحديات الأكبر.
إيران تواصل تهريب الأسلحة إلى الحوثيين
تهديد حوثي منخفض الحدة
تكمن المعضلة الحالية في ما يصفه المسؤولون الأميركيون بـ”التهديد الحوثي الخافت”، حيث يملك الحوثيون القدرة على العودة إلى تنفيذ هجمات في أي وقت، دون الحاجة إلى ترسانة ضخمة أو متطورة، فبحسب التقديرات الأميركية، فإن كميات قليلة من الصواريخ، حتى وإن كانت غير متطورة، كافية لتمكين الجماعة من شن هجمات على السفن التي تمر عبر باب المندب والبحر الأحمر وخليج عدن.
ويزداد القلق الأميركي مع الاعتقاد بأن الحوثيين سيستعيدون جزءًا كبيرًا من قدراتهم خلال الأشهر القليلة المقبلة، لا سيما في ظل استمرار عمليات التهريب والدعم الإيراني، وما يزيد من خطورة هذا المشهد هو الإرادة السياسية والعسكرية لدى الحوثيين للقيام بهجمات على السفن التجارية والعسكرية، مما يجعل عودتهم إلى تهديد الملاحة احتمالًا قائمًا بقوة.
وتبقى هذه العودة المحتملة مصدر استنزاف خطير للقدرات الأميركية، حيث إن الحملة الأخيرة التي قادها الرئيس الأميركي الحالي، دونالد ترامب، ضد الحوثيين ركّزت على إظهار القوة الجوية والبحرية الأميركية من خلال توجيه ضربات دقيقة للبنية التحتية العسكرية الحوثية، دون تكبّد خسائر بشرية أو نشر قوات برية، ومع ذلك، فإن كل حملة عسكرية جديدة ضد الحوثيين تُعدّ استنزافًا كبيرًا، حيث تُستخدم قدرات تكنولوجية وعسكرية متطورة ومكلفة للغاية، في مواجهة خصم محلي منخفض التكلفة.