تُعتبر العيدية تقليداً عميق الجذور في الأعياد الإسلامية، حيث تعكس البهجة والمودة، خصوصاً تجاه الأطفال، لكن تاريخ هذا التقليد يمتد عبر العصور، حيث شهد تغيرات في الأسماء والممارسات.

من نفس التصنيف: بروتوكول مبتكر لتحسين بنية الصرف الصحي في بني سويف
العيدية في العصر الفاطمي: النشأة كـ”التوسعة”
يُعتقد أن العيدية ظهرت لأول مرة في العصر الفاطمي بمصر، وتحديداً في أواخر القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، في تلك الفترة، كانت تُوزع النقود والثياب على عامة الشعب، وعُرفت بأسماء متنوعة مثل “الرسوم” و”التوسعة”، حيث كانت تُقدم للأمراء على هيئة دنانير ذهبية وهدايا، بينما كانت مخصصة للأطفال في صورة نقود.
تكشف المصادر التاريخية، مثل ما كتبه الأمير عزّ الملك المسبحي وتقيّ الدين المقريزي، عن تفاصيل احتفالات الخلفاء الفاطميين بالأعياد، حيث كانت “العيدية” تُعتبر هبة مستقلة عن سائر العبادات، وقد بدأ هذا التقليد في عهد الخليفة المعزّ لدين الله الفاطمي، الذي سعى لاستمالة قلوب المصريين في بداية حكمه، حيث كان يأمر بتوزيع الحلوى، وإقامة الموائد، وتوزيع النقود والهدايا والكسوة، التي كانت تُجهز قبل شهر ونصف من العيد لضمان جاهزيتها في ليلة العيد، وقد بلغت نفقات صناعة الكسوة في القرن السادس الهجري حوالي عشرين ألف دينار ذهبي، تُوزع على رجال الدولة وعامة الرعية.
رؤية تاريخية: الفاطميون ومواسم الاحتفال
يشير أستاذ التاريخ الإسلامي، الدكتور أيمن فؤاد، إلى أن معظم الاحتفالات الدينية تعود إلى العصر الفاطمي في مصر، ففي الوقت الذي كان يحتفل فيه العالم الإسلامي بعيد الفطر وعيد الأضحى فقط، أضاف الفاطميون العديد من المواسم والرسوم والاحتفالات الدينية، ويشير الدكتور فؤاد إلى أن مصطلح “العيدية” بالشكل الحالي لم يكن موجوداً آنذاك، ولكن المصادر التاريخية توضح أنه مع بداية رمضان، كان أرباب الرتب والخدم وجميع المحيطين بالخليفة، بالإضافة إلى زوجاته وأبنائه، يتلقون طبقاً من الحلوى يتوسطه “صُرّة” من الذهب، كما كان أهل الدولة ينالون جزءاً من هذا العطاء، وهو ما كان يُعرف بـ”التوسعة” في العصر الفاطمي.
ويضيف الدكتور فؤاد أن الفاطميين هم من ابتدعوا فكرة “دار الفطرة” بمناسبة العيد، وتوزيع الكعك (الفطرة) والكسوة، وكذلك إقامة “الأسمطة” (مائدة الطعام الكبيرة التي كانت تمد في قاعة الذهب بالقصر الفاطمي) والتي كانت تُجهز في أول أيام العيد لتُوزع على الناس.
عرف الفاطميون هذا التقليد الذي أطلقوا عليه “العيدية”؛ حيث كان الخليفة يهدي بنفسه دراهم فضية مخصصة للفقهاء والقراء والمؤذنين مع انتهاء ختمة القرآن ليلة العيد، ويبدو أن الملوك أيضاً كانوا يتلقون “عيديات” على هيئة هدايا في الأعياد، كما يخبرنا ابن دحية في كتابه “المطرب” عن إهداء الناس للسلطان المعتمد ابن عباد في يوم عيد، وهكذا، ظهرت “العيدية” بشكلها الأولي كـ”التوسعة”، وهو مبلغ مالي يُوزع بمناسبة حلول العيد، حيث كان الخليفة يُشرف من قصره صبيحة يوم العيد وينثر الدراهم والدنانير الذهبية على العامة الذين يأتون للمعايدة.
العيدية في العصر المملوكي: “الجامكية” للكبار والصغار
في العصر المملوكي، بدأت العيدية تأخذ شكلاً أكثر رسمية، وعُرفت حينها بـ”الجامكية”، لم تكن هذه العيدية مخصصة للأطفال فحسب، بل كانت تُوزع على الكبار والصغار على حد سواء، وكانت “الجامكية” عبارة عن مبلغ مالي يُصرف بأمر مباشر من السلطان كمرتب خاص بمناسبة حلول العيد، يُمنح لموظفي الدولة من الجند وحتى الأمراء وكبار الموظفين.
“الجامكية” كلمة مشتقة من “الجامة”، وهي مفردة تركية تعني “الثوب واللباس”، وبالتالي كان المقصود بـ”الجامكية” هو المال المخصص لشراء الملابس، بهدف إعانة الرعية وتمكينهم من شراء كسوة جديدة خاصة بالعيد.
شوف كمان: جولات ميدانية لمتابعة تقدم العمل في مراكز التصالح ببني سويف
العيدية في العصر العثماني: تحول إلى عادة شعبية
اتخذت العيدية في العصر العثماني شكلاً مختلفاً تماماً، فبدلاً من كونها مبلغاً مالياً يُصرف من الدولة، تحولت إلى ثقافة وعادة شعبية بين الناس يقومون بأدائها فيما بينهم، لتصبح جزءاً لا يتجزأ من التكافل الاجتماعي بين الأفراد.
تسميات العيدية في الدول العربية اليوم
تتعدد تسميات العيدية في الدول العربية في الوقت الحالي:
- في الأردن، سوريا، العراق، الكويت، ومصر تُعرف بـ”العيدية”.
- في سلطنة عُمان يُطلق عليها اسم “العيّود”.
- في بعض مناطق السعودية تحمل تسميات مثل “الحوامة”، “الخبازة”، “الحقاقة”، أو “القرقيعان” في المنطقة الشرقية.
- في بعض دول المغرب العربي، مثل تونس، تُسمى “مهبة العيد”، وفي المغرب يطلقون عليها “فلوس العيد”.
الأثر النفسي والاجتماعي للعيدية
تشير الدكتورة نهاية الريماوي إلى أن العيدية هي دليل على المحبة، من الناحية العلمية، فإنها ترفع نسبة الناقل العصبي المعروف باسم “الأوكسيتوسين”، المسؤول عن الحب والمودة والعلاقات الإيجابية، فوجود العيدية يأتي من منطلق التعبير عن الحب الذي يكون أحد أشكاله العطاء المادي أحياناً، وبالتالي تؤثر على بناء العلاقات وتُشعر الشخص بوجود السند، كما أن لها مدلولًا روحيًا يرتبط بالجانب النفسي، إذ تعزز مبدأ صلة الرحم بين الأفراد.