نكمل ما بدأناه في سلسلة خيانة عبر التاريخ، حيث عانت مصر مثلها مثل أي بلد متحضر من الخيانات عبر العصور، والتي نرصد بعضًا منها عبر صفحات نيوز رووم، وفي هذه المرة نحمل لكم مثالًا من عصر أسرة محمد علي، وهي خيانة ممزوجة بالعديد من الألاعيب السياسية، حيث كان ظاهر تصرف الخديوي البراءة، ولكن في باطنه الخيانة.

ممكن يعجبك: الرعاية الصحية تقدم مشروع السياحة العلاجية “نرعاك في مصر”
الخيانة عبر التاريخ2… «من ديليسبس للخنفس»… أسهم ضربت صدر عرابي
قال بسام الشماع، المرشد السياحي والمؤرخ وعضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية واتحاد الكتاب المصري، في تصريحات لـ نيوز رووم، إن من أشهر الخيانات في تاريخ مصر تلك التي حيكت ضد البطل المصري، صاحب أول ثورة شعب وجيش معًا، وهو الزعيم أحمد عرابي، الذي تم استهدافه بسهام الخيانة من جوانب عديدة.
اقرأ أيضًا:
كتب عرابي في مذكراته التي وضعها في كتاب سماه “كشف الستار عن سر الأسرار في النهضة المصرية المشهورة بالثورة العرابية في عام 1298 و1299 الهجريتين وفي 1881 و1882 الميلاديتين”، حيث وثق خيانة الخديوي محمد توفيق بن إسماعيل بن إبراهيم بن محمد علي باشا، قائلًا:
“وفي مساء ذلك اليوم أرسل ناظر الجهادية المذكور، وكان في ذلك الوقت عثمان رفقي باشا، ووصف عرابي بأنه -جاهل متعصب لجنسه غافل عما ينتجه التفريق والاستخفاف بالعنصر الوطني من حرج بالصدور- تذاكر يدعونا بها للحضور إلى ديوان الجهادية بقصر النيل في صباح يوم 2 ربيع أول سنة 1298ه للاحتفال بزفاف جميلة هانم شقيقة الحضرة الخديوية.
مذبحة مماليك جديدة
وأكمل عرابي: فأدركنا أنه يريد أن يخدعنا، ويبطش بنا كما فعل محمد علي باشا بأمراء المماليك، إذ لم يكن تاريخ الزفاف قد حان، فكانت تلك الحيلة سابقة لأوانها، ولذلك أخذنا حذرنا وهيأنا ما يلزم لنجاتنا، وبالفعل تم القبض على عرابي ورفاقه وسخر خسرو باشا منهم وهم في المحبس، ولكن تم تحريرهم بواسطة فرقتين من الـ آلاي «ركاب عربات ذات خيول» وهم الحرس الخديوي الموالين لعرابي، ولكنه سرعان ما حذر وتوسل لجنوده: “بأن لا يمدوا أيديهم بسوء إلى أحد من الجراكسة ولا إلى غيرهم من الضباط لأنهم إخواننا….” كما كتب عرابي في مذكراته.
خيانات متتالية
بعد انتصار جيش عرابي في معركة أبي قير، لجأ الإنجليز إلى التقهقر: “ولي منهزمًا وكبد جيش عرابي الجيش الإنجليزي في معركة عزبة خورشيد خسائر وصلت إلى 17 جثة وخسائر عظيمة، وانتصر جيش عرابي، ورغم انحياز الخديوي توفيق للإنجليز، إلا أنه تم انعقاد مؤتمر عام في ديوان الداخلية في 22 يوليو سنة 1882 و6 رمضان سنة 1299 صدرت فيه فتوى شرعية من الشيخ العارف بالله شيخ الإسلام والمسلمين السيد محمد عليش وشيخ الإسلام الشيخ حسن العدوي وشيخ الخلفاوي وغيرهم من العلماء بمروق الخديوي توفيق باشا من الدين مروق السهم من الرمية، لخيانته لدينه ووطنه وانحيازه لعدو البلاد، كما جاء في مذكرات عرابي، وهو الذي بالطبع ساعد الإنجليز على احتلال مصر، وهم جيش عرابي الإنجليز في كفر الدوار، ولكن كانت الخيانة والخوف والانسحاب من البعض ودسائس الخديوي في معركة التل الكبير التي أدت إلى هزيمة عرابي وجيشه رغم بسالتهم وشجاعتهم التي اعترف بها الجنرال باتلر قائلاً: “حارب بنية صادقة وعزم ثابت ولم تعقه كل العوائق الكبرى التي وضعناها حواليه…. وقد خانهم الذين ائتمنوهم، ومع ذلك كان لا يجتمع منهم 10 أو 20 أو 50 إلا وثبتوا في المتاريس أو منحدرات التلول أو في سطح الصحراء”.
ديليسبس الخائن
أكد «دي لسبس» الفرنسي، لعرابي حيادية قناة السويس في الحرب ضد الإنجليز، ولكنه خانه ودخلت المراكب الحربية الإنجليزية في قنال السويس، وبالتالي فكر عرابي في سد الترعة الحلوة، أما الشاعر الذي أيد عرابي ونهضته في البداية، على الليثي، سرعان ما خانه بعد هزيمة الجيش المصري ودخول الإنجليز، حيث اعتذر للخديوي عن نفسه، وأمثاله في قصيدة شعر ومنها: «يا عظيم الجناب يا خير ملك… سعده قد أباد من تقول….”، وسار على نهج الليثي، عبد الرحمن الإبياري قاضي الإسكندرية.
فمن دي ليسبس الذي أقنع عرابي أنه لا يردم أو يغلق قناة السويس لأنها حيادية وقت الحروب وأن قوات الإنجليز لن تستطيع المرور فيها، ولكنه في نفس الوقت كان متفقًا مع الإنجليز على السماح لهم بالمرور في القناة سراً في الليل، لسلطان باشا علي مبارك الذي انحاز إلى جانب الخديوي توفيق إلى بعض بدو الصحراء الذين أرشدوا الإنجليز على الممرات والطرق والدهاليز الموصلة لموقع الثوار العرابيين في التل الكبير إلى السلطان العثماني الذي أعلن عصيان عرابي ومروق قبل معركة “التل الكبير”.
شوف كمان: الكنيسة الأرثوذكسية تحتفل بعيد “الأنبا أبرآم” في إيبارشية الفيوم
الخنفس
وهو قائد حامية الجيش المصري بالقاهرة، والذي أمد الإنجليز بخطط الثوار وتحركاتهم في كفر الدوار، وفي الشرقية وأطلق عليه المصريون “الخنفس” وهو الخائن الرئيسي في إرشاد الإنجليز على الثغرات في الجيش المصري.
وقد كان “علي بك يوسف” قائد الآلات المصري الثالث الذي أخلى معسكره ودل الإنجليز على أفضل طريق للوصول إلى قلب الجيش المصري بناءً على طلب الإنجليز.
الخائن سلطان باشا
وماذا عن الخائن سلطان باشا الذي قدم للقوات المحتلة الإنجليزية الهدايا واستقبلهم، وقد كافأه توفيق بـ 10 آلاف جنيه والنيشان المصري وخلع عليه الإنجليز لقب «سير»، فمع كل هذه الخيانات كيف كانت لثورة عرابي ورفاقه أن تنجح؟ وقد اكتملت خيوط مؤامرة الخونة قبل عودة عرابي بأكثر من شهرين من منفاه الذي تم تبجيله فيه من قبل أهل سيلان (سيريلانكا)، فبدأت حملة لتشويه عرابي.
خذلان شوقي
ونشر الشاعر أحمد شوقي قصيدة استهزأ فيها من عرابي ويثير الشائعات، بدأها بـ: “صغار الذهاب وفي الإياب… إلى آخر البيت”، وتم تشويه تاريخ وسيرة البطل عرابي الذي طالب بأن تكون مصر للمصريين جميعًا لا ملكًا لشخص واحد أو عائلة واحدة، وأن ينتخب الوالي بمعرفة الأمة ومشايخ القرى والبلدان بمعرفة الأهالي وإبطال السخرة، وتحريم استخدام الكرباج ضد الفلاحين خاصة.