تستعد روسيا لإطلاق محطات للغاز الطبيعي المسال في مصر، وفقًا لتقرير وكالة “1prime” الاقتصادية الروسية، حيث جرت مفاوضات حول مشاريع الطاقة بين مصر وروسيا خلال شهر مايو الماضي.

مقال مقترح: خبير اقتصادي ينبه من آثار التضخم بعد خفض الفائدة في مصر
تشير إحصاءات عام 2024 إلى أن مصر تحتل المرتبة الثالثة بين مصدري الغاز الطبيعي المسال في أفريقيا، ورغم ذلك، اضطرت البلاد في يونيو من نفس العام لاستئناف استيراد الغاز لأول مرة منذ عام 2018، وهو ما يعكس التحديات التي تواجهها في هذا القطاع.
قال المهندس مدحت يوسف، نائب رئيس هيئة البترول الأسبق، إن محطات الغاز الطبيعي تعني مستودعات للغاز سواء في حالته المسالة أو الغازية، ومن تلك المحطة يمكن تدفيع الغاز إلى الشبكة القومية للغازات الطبيعية المصرية أو إعادة تصديره إلى أماكن أخرى.
أوضح يوسف في تصريح خاص لـ”نيوز رووم” أنه بفضل الموقع الجغرافي المميز لمصر، تصبح هذه المحطات ذات جدوى إذا توفرت أسواق استهلاكية جيدة.
استهلاك الغاز الطبيعي
أكد أن استهلاك الغاز الطبيعي في مصر يتزايد عامًا بعد عام، ومع انخفاض إنتاج مصر إلى مستوى 4 مليار قدم³ يوميًا، يُرجح أن يستمر هذا الانخفاض إذا لم تُحقق مصر اكتشافات ضخمة بمعدلات إنتاجية تتجاوز المليار قدم³ يوميًا لكل اكتشاف.
مقال مقترح: إطلاق مشروع طاقة رياح بقدرة 200 ميجاوات في رأس غارب بالشراكة بين مصر والإمارات
أوضح أن الجانب الروسي سيقوم بدراسة الموقع الأنسب لإقامة المحطة بما يتناسب مع احتياجات الأسواق العالمية الأخرى التي تحتاج للغاز الطبيعي، وتعتبر منطقة الساحل الشمالي المصري هي الأنسب نظرًا لاتجاه مسار تصدير شحنات الغاز الطبيعي من الشرق إلى الغرب، سواء إلى أوروبا أو دول أمريكا اللاتينية.
ارتفاع الطلب المحلي على الكهرباء
أفادت الوكالة الروسية أن ارتفاع الطلب المحلي على الكهرباء، بجانب الانخفاض الحاد في الإنتاج المحلي من الغاز، شكل العامل الرئيسي وراء هذه الخطوة، وذلك رغم الإعلان الرسمي عن اكتشاف ثلاثة حقول جديدة للنفط والغاز في مايو الماضي، حيث تبقى عملية تطوير هذه الحقول معقدة وتحتاج إلى وقت طويل، في حين أن الحقول القائمة تواصل تراجع إنتاجها.
من جانبه، أشار بافيل ماريشيف، عضو مجلس الخبراء في جمعية الغاز الروسية، إلى أن محدودية القدرات التكنولوجية والركود الاقتصادي العام حالا دون حفاظ مصر – البلد الأكثر سكانًا في العالم العربي – على مكانتها كمصدر صافٍ للغاز.
أضاف أن العجز في السوق المحلية قد قيد طموحات الشركات المصدرة المصرية، مما دفعها للتفكير في خيار الاستيراد، خاصةً في ظل عدم كفاية الموارد المحلية لتحقيق الاكتفاء الذاتي واعتماد البلاد على الإمدادات الإسرائيلية.
تابع الخبير الروسي تحليله بالإشارة إلى أن عوامل متعددة تسهم في تقليص إمكانات التنمية في قطاع الغاز المصري، بما في ذلك ارتفاع معدلات استنزاف الحقول الحالية، وانخفاض معدلات تدفق الغاز في الحقول الرئيسية، بالإضافة إلى نقص الوصول إلى التقنيات الحديثة.
أكد أن مصر بحاجة إلى تطوير البنية التحتية اللازمة لاستقبال الغاز الطبيعي المسال وإعادة تحويله إلى حالته الغازية، ما دفعها إلى اللجوء للحلول المؤقتة مثل استئجار وحدات عائمة لتخزين وإعادة تحويل الغاز.
وفي هذا الإطار، وصلت إلى ميناء الإسكندرية أواخر مايو الماضي السفينة العائمة “إنرجوس باور” التابعة لشركة “إنرجوس باور”، وهي الوحدة الثانية من نوعها التي تستأجرها الشركة المصرية القابضة للغاز (إيجاس) من شركة “نيو فورتريس” الأمريكية، وتتمتع السفينة، التي وصلت من ألمانيا، بقدرة استيعاب تبلغ 174 ألف متر مكعب.
أشار ماريشيف إلى أن التعاون المستقبلي مع روسيا في مجال بناء البنية التحتية قد يسهم في تجاوز مصر للعوائق التكنولوجية الحالية، مستفيدةً من خبرة الشركات الروسية في هذا المجال، وفي هذا الصدد، تمتلك شركة “روزنفت” الروسية حصة نسبتها 17.6% في حقل “ظهر” الغازي المصري، الذي يعد أكبر مشروع غاز لشركة روسية في مصر حتى الآن.
أضاف الخبير أن التطور السريع للتقنيات الروسية في مجال الغاز الطبيعي المسال، والذي جاء جزئيًا نتيجة للعقوبات الغربية، يمنح روسيا فرصة لتنويع قدراتها التصديرية وفتح أسواق جديدة، حيث سجلت صادرات الغاز الطبيعي المسال الروسي في عام 2024 رقمًا قياسيًا بلغ 33.6 مليون طن، حيث استحوذت السوق الأوروبية على حوالي 17.4 مليون طن (52% من الإجمالي)، بينما ذهبت 45% من الصادرات إلى الأسواق الآسيوية، وتصدرت الصين واليابان قائمة المشترين.
تطمح روسيا إلى زيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال إلى أكثر من 100 مليون طن بحلول عام 2035، وهو ما يتطلب وفقًا للخبراء إعداد أسواق جديدة لاستيعاب هذه الكميات، وفي هذا السياق، أكد خادجيمراد بلخاروييف، الأستاذ المشارك في معهد الاقتصاد العالمي والأعمال بجامعة الصداقة بين الشعوب، على أهمية تحديد خيارات تصدير الغاز إلى الدول الصديقة وبناء البنية التحتية اللازمة بشروط تحقق المنفعة المتبادلة.
نافذة لإمدادات الغاز الطبيعي المسال الروسي
قد تفتح مصر، في المستقبل، نافذة لإمدادات الغاز الطبيعي المسال الروسي إلى أفريقيا، خاصةً مع تنفيذ مشروع “مورمانسك” الروسي للغاز الطبيعي المسال، الذي سيوفر إمكانية الوصول إلى موارد إضافية عبر خط أنابيب رئيسي، ورغم تخفيض سعة المحطة المخطط لها من 20.4 مليون متر مكعب إلى 13.6 مليون متر مكعب، إلا أن المخاوف من عدم كفاية العقود لا تزال قائمة، مما يجعل من أفريقيا سوقًا بديلاً محتملاً في حال تراجع الطلب الأوروبي على الغاز الروسي.
يرى بلخاروييف أن مصر تمتلك الإمكانات اللازمة لتصبح مركزًا إقليميًا لتداول الغاز الطبيعي المسال، قادرةً على توزيعه في المنطقة بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك، يشدد الخبير على أن سوق الغاز الطبيعي المسال يبقى تحت سيطرة عدد محدود من الدول المنتجة، مما يفرض تحديات إضافية على أي دولة تسعى لتعزيز موقعها في هذا المجال.