نولد جميعًا بفطرة نقية، خالية من الكره والبغض والنفاق والاستهزاء، نتطلع إلى حياة هادئة ومستقرة، حيث نعيش بلا قلق، وأطفالنا أيضًا يولدون بحثًا عن ملاذ آمن، وصدر يحتويهم، وسند لا يميل أو يغيب مهما كانت الظروف، كل ما يحتاجه الطفل يجب أن يجده في والديه، فهم الأقرب والأكثر حنانًا دائمًا.

مقال مقترح: اجتماعات مكثفة مع شركات الطوافة السعودية لمناقشة استعدادات تصعيد الحجاج
لكن هذه الحالة تفتقرها العديد من الأطفال حول العالم، حيث يتحملون ما لا يطيقون، أب يصرخ، وأم تسيء، وأخ ينعت بأبشع الأوصاف، ومعلمة تتلذذ بالعقاب، ومربية تستمع لصراخ الطفل من الألم.
التنمر أصبح آفة تصيب البيوت دون سابق إنذار، ويشكل خطرًا كبيرًا على الجميع، فهؤلاء الأطفال سيكبرون مشوهين نفسيًا، ولن يستطيعوا خلق مجتمع سوي، بل سنعيش جميعًا معاناة نتيجة تنمرنا.
تجسد حالة “العراقية الجلحة”، الطفلة العراقية الجميلة التي نعتها والدتها بـ”الجلحة” – القبيحة – لأنها سمراء بينما والدتها شقراء، وهذه ليست الحالة الأولى أو الأخيرة، الغريب أن الطفلة ظهرت في فيديو عبر تيكتوك تطالب الناس بالتوقف عن الهجوم على أمها، قائلة: “هي متعودة تهزر كده وأنا متقبلة ده ومبسوطة”.
توجد أمثلة كثيرة حول العالم توضح كيف يمكن أن يمارس الآباء التنمر على أبنائهم، سواء بقصد أو بدون قصد، حيث تظهر العديد من مظاهر التنمر التي تبدو كأنها رعاية واهتمام، لكن عند النظر لجوهرها نجد أطفالًا يعانون من تشوه نفسي بنسبة تتجاوز الـ 80%.
“الآباء النمور” هي نظرية معروفة في اليابان، يمارسها الآباء على أبنائهم، حيث يفرضون ضغوطًا هائلة على الأبناء للنجاح أكاديميًا، وقد وصلت بعض الحالات إلى انتحار مراهقين بسبب الخوف من الفشل وخيبة أمل الأهل، هناك قصص موثقة في الإعلام الياباني عن أمهات يهينون أبناءهن إذا حصلوا على علامات أقل من الدرجات النهائية، فلا تقبل الأمهات بالتقصير حتى لو في درجة واحدة.
في أمريكا، وصل التنمر العاطفي والنفسي إلى ذروته، حيث تم الكشف عن حالات لأمهات وآباء يمارسون التنمر عبر السخرية من مظهر أبنائهم على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة على تيكتوك، إضافة إلى استخدام العقاب العلني، مثل تصوير الطفل أثناء قص شعره بطريقة مهينة بعد تصرف خاطئ، ونشر الفيديو للمتابعين والأصدقاء، وفي إحدى الحالات، تدخلت خدمات حماية الطفل (CPS) بعد انتشار فيديو لأب يجبر ابنه على الجلوس في الخارج في البرد القارس كعقاب.
التنمر حول العالم
“عقوبة الدجاجة” في الهند تمثل شكلًا من أشكال الإذلال والإهانة في بعض المدارس والبيوت، حيث يجبر الطفل على الجلوس أو الوقوف بوضعية مؤلمة لساعات، وهذا النوع من العقاب يستخدمه الآباء تجاه أبنائهم، وهناك تقارير ودراسات نشرت حول إصابة بعض الأطفال بمشاكل في العمود الفقري نتيجة تكرار هذه العقوبة.
أكدت الدراسات العالمية أن الأطفال الذين يتعرضون لتنمر منزلي غالبًا ما يصبحون متنمرين في المدرسة أو يعانون من مشاكل في الثقة بالنفس والقلق الاجتماعي.
توجد بعض الأشكال الأخرى التي يمارسها الوالدان على الأبناء، دون أن يدركوا خطورتها وأثرها السلبي على نفسية الطفل، مثل الإهانة والسخرية المستمرة، ووصف الطفل بألفاظ مثل: “غبي، فاشل، ضعيف”.
المقارنة المستمرة بينه وبين إخوته وأقاربه وأصدقائه، التقليل من المشاعر أو تجاهلها، التحكم الزائد وعدم السماح للطفل بالتعبير عن رأيه أو اتخاذ قرارات بسيطة بنفسه، العقاب الجسدي العنيف أو المستمر، الضرب أو التهديد المستمر، مما يزرع الخوف بدلاً من الاحترام، الضغط النفسي الزائد، وتحميل الطفل مسؤوليات تفوق عمره أو توقع الكمال منه باستمرار.
مؤخراً، أثار مقطع فيديو متداول لأم عراقية وابنتها موجة غضب على منصات التواصل الاجتماعي، بعدما وجه المتابعون لها اتهامات بالتنمر على ابنتها والتقليل من شأنها أمام الكاميرا.
اقرأ كمان: 220 طبيبًا بيطريًا مصريًا يشرفون على ذبح الأضاحي في السعودية
حيث ظهرت الأم خلال مقابلة تلفزيونية على إحدى القنوات العراقية في بث مباشر، وكانت ابنتها الصغيرة تقف بجانبها، وعندما سألتها المذيعة عن ما إذا كانت الطفلة هي ابنتها، جاء رد الأم مصحوبًا بضحكة ساخرة قائلة باللهجة العراقية “جلحة”، وهي كلمة دارجة تُستخدم بمعنى قبيحة، ثم أبعدت ابنتها قليلاً عن الكاميرا، حيث إن الأم شقراء والابنة سمراء، وتابعت قائلة: “هي شبه حد بس معرفش مين، بس أكيد مش أنا لأنني حلوة”.