محمد باكبور الجنرال الذي انبثق من رماد الأسد الصاعد

في أعقاب اغتيال اللواء حسين سلامي، القائد العام للحرس الثوري الإيراني، خلال فجر اليوم، أعلنت طهران عن تعيين قائد جديد للجهاز الأكثر حساسية في بنية الدفاع الإيرانية، ويعكس هذا القرار العسكري السريع جدية المرحلة وحدتها.

محمد باكبور الجنرال الذي انبثق من رماد الأسد الصاعد
محمد باكبور الجنرال الذي انبثق من رماد الأسد الصاعد

جاء هذا التعيين بمرسوم مباشر من المرشد الأعلى الإيراني، علي الخامنئي، حيث منح باكبور رتبة “لواء” مع تكليفه بقيادة الحرس الثوري، ليخلف سلامي الذي قضى نحبه في عملية عسكرية غير مسبوقة تبنّتها إسرائيل ضمن عملية “الأسد الصاعد”.

نشأة وجبهة مبكرة

ولد محمد باكبور عام 1961 في مدينة أراك وسط غرب إيران، ونشأ في بيئة متدينة وثورية، انخرط مبكرًا في صفوف الثورة الإسلامية، وبعد انتصارها عام 1979، شارك في قتال الجماعات الانفصالية المسلحة في إقليم كردستان، حيث عُرف بثباته في المواجهات الميدانية.

كانت تلك الفترة بمثابة اختبار مبكر لبراعته القتالية، قبل أن يتبلور حضوره العسكري بوضوح خلال الحرب الإيرانية-العراقية (1980-1988)، التي شكّلت “مدرسة الدم والنار” لتخريج أبرز القيادات الإيرانية.

قائد تكتيكي

خلال سنوات الحرب مع العراق، شغل باكبور سلسلة من المناصب العملياتية والعسكرية، منها: قيادة وحدة المدرعات التابعة للحرس الثوري وقيادة الفرقة 8 “نجف” والفرقة 31 “عاشوراء”، ورئاسة معسكر الشمال ومعسكر “نصرت”، كما تولى منصب نائب مسؤول العمليات في الجبهات.

ساهم باكبور بشكل كبير في بناء التكتيكات القتالية للحرس، وتم تصنيفه ضمن النواة القيادية التي استطاعت تكييف القدرات الإيرانية مع مشهد الحرب طويلة الأمد.

الحرب على الإرهاب

بعد الحرب، لم يتراجع حضور باكبور الميداني، وبرز اسمه بقوة في العمليات الأمنية ضد الجماعات الإرهابية شمال غرب إيران، إضافة إلى دوره في إحكام السيطرة على جنوب شرق البلاد، ولا سيما في مواجهة خلايا متطرفة نشطة قرب الحدود الباكستانية.

كما أشرف على وحدة “صابرين” الخاصة، ونُسب إليه نجاح كبير في التصدي لهجوم إرهابي استهدف مبنى مجلس الشورى بطهران عام 2017.

قيادة القوة البرية

في عام 2010، أصدر السيد علي الخامنئي قرارًا بتعيين باكبور قائدًا للقوة البرية للحرس الثوري، بتوصية من اللواء محمد علي جعفري، القائد العام آنذاك.

وعلى مدى عقد من الزمن، أشرف على إعادة هيكلة هذه القوة، ورفع من جاهزيتها القتالية والتكتيكية، معزّزًا من حضورها في ساحات الداخل الإيراني وعلى الحدود.

وسام الفتح

في يناير 2014، منح المرشد الأعلى باكبور “وسام الفتح”، أحد أرفع الأوسمة العسكرية الإيرانية، تقديرًا لجهوده المتواصلة في حماية البلاد، وتلقى باكبور حينها رسالة شخصية من القيادة العامة، تشيد بإخلاصه وتفانيه.

كما يحمل درجة الدكتوراه في “الجغرافيا السياسية”، وهو ما أضفى على قراراته طابعًا تحليليًا واستراتيجيًا عميقًا، جعل منه عقلًا عملياتيًا لا مجرد قائد ميداني.

دور أمني

لعب باكبور دوراً محورياً في تأمين الحدود الإيرانية، خاصة في مواجهة الجماعات الإرهابية في المناطق الحدودية، وقاد عمليات عديدة ضد هذه الجماعات، مؤكدًا مراراً أن أي تهديد لأمن إيران سيُواجَه بردّ حاسم وسريع من القوات المسلحة.

التغييرات الكبرى

بالتزامن مع تعيين باكبور، عيّن المرشد الأعلى اللواء علي شادماني قائدًا لمقر “خاتم الأنبياء” المركزي، أعلى هيئة عملياتية في القوات المسلحة الإيرانية، خلفًا للفريق الركن غلام علي رشيد، الذي لقي مصرعه في الهجوم الإسرائيلي نفسه.

شادماني، أحد قدامى المحاربين في الحرب العراقية-الإيرانية، تولى قيادة الفرقة 32 “أنصار الحسين”، ومن ثم مقر “نجف”، كما شغل مناصب عليا في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة حتى عام 2016، مع سجل حافل في التخطيط العملياتي.

“الأسد الصاعد”.. اختبار صعب للقيادة الجديدة

وجاءت التعيينات المفاجئة في ظل مرحلة شديدة التعقيد بالنسبة للحرس الثوري، بعد الضربة الاستراتيجية التي تلقاها على يد إسرائيل، ومع صعود باكبور، يتطلع الحرس إلى استعادة زمام المبادرة، وتثبيت معادلة الردع في الإقليم، في وقت تتجه فيه الأنظار إلى كيفية تعامل القيادة الجديدة مع تحديات الداخل والتهديدات المتفاقمة على الجبهات الخارجية.