راية الانتقام الإيرانية الحمراء ترفرف فوق جمكران

في مشهد يثير الدهشة ويحتوي على رمزية دينية وتاريخية وعسكرية، قامت إيران، اليوم الجمعة، برفع علمها فوق قبة مسجد جمكران في مدينة قم المقدسة، جنوب العاصمة طهران، بعد سلسلة من الضربات الجوية الإسرائيلية غير المسبوقة التي استهدفت عمق الأراضي الإيرانية.

راية الانتقام الإيرانية الحمراء ترفرف فوق جمكران
راية الانتقام الإيرانية الحمراء ترفرف فوق جمكران

وقد وثقت وسائل الإعلام الإيرانية لحظة رفع العلم في مشهد احتفالي كئيب، مما يشير بوضوح إلى أن الجمهورية الإسلامية تستعد لرد قوي، قد يمثل تحولًا كبيرًا في مسار الصراع مع إسرائيل.

“يا لثارات الحسين”… من الحداد إلى الانتقام

الراية الحمراء التي كُتب عليها “يا لثارات الحسين” ليست مجرد قطعة قماش ترفع فوق قبة المسجد، بل هي نداء تاريخي محفور في الوعي الشيعي والإيراني، يعبر عن العزم على الثأر لمن سقطوا ظلمًا، وأصل هذه العبارة يعود إلى حركة “التوابين” التي ظهرت بعد واقعة كربلاء في القرن السابع الميلادي، حين قررت مجموعة من الشيعة الثأر لمقتل الإمام الحسين، حفيد النبي محمد.

وتعتبر هذه الراية، ضمن التقاليد الإيرانية الشيعية، بمثابة إعلان رمزي لحالة حرب، حيث لا تُرفع إلا في لحظات قصوى، وغالبًا ما تُعتبر تمهيدًا لأعمال عسكرية وشيكة، تعبر عن قرار رسمي وشعبي بالمواجهة.

تاريخ من الرمزية والثأر

لا يرتبط اللون الأحمر في الثقافة الإيرانية بالغضب فقط، بل هو أيضًا جزء من ألوان العلم الإيراني، يرمز إلى القوة في القتال والشجاعة الوطنية، وقد أصبحت هذه الراية الحمراء أداة رسائل سياسية واستراتيجية في لحظات مفصلية.

فقد رفعت الراية نفسها في يناير 2020 عقب اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني في غارة أمريكية قرب مطار بغداد، ولم تُنزل إلا بعد أن ردّت طهران بقصف قاعدة “عين الأسد” الجوية ومواقع أمريكية في أربيل.

كما شهد مسجد جمكران رفع الراية مجددًا في يوليو 2024، بعد اغتيال زعيم المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية، في ضربة نسبت إلى إسرائيل، مما جعل من “جمكران” مركزًا لتصعيد رمزي وديني قبل الرد الفعلي.

جمكران.. المسجد الذي يعلن الغضب الإيراني

يقع مسجد جمكران في ضواحي مدينة قم، ويُعتبر من أقدس المساجد الشيعية في إيران، ووجهة دينية مركزية للزائرين، لكن دوره تجاوز العبادة ليصبح ساحة رمزية للرسائل السيادية والميدانية.

ويعرف عن هذا المسجد أنه يرتبط بعقيدة “المهدي المنتظر”، حيث يعتقد البعض أن للإمام الغائب ظهورًا روحانيًا فيه، ومع كل أزمة كبرى، يتحول المسجد إلى منصة لخطاب رمزي قوي، يوصل رسائل الداخل والخارج.

لا يمكن اعتبار رفع الراية من فوق جمكران خطوة عاطفية، بل هو بيان حرب بامتياز، يستدعي ذاكرة قتالية ودينية عميقة في الوعي الجمعي الإيراني.

ما بعد الراية

رفع “راية الثأر” عادة ما يأتي بعد مراسم تشييع ودفن القتلى، لكن إيران رفعتها هذه المرة قبل أي طقوس جنائزية، وهو ما يُفسر على أنه استعجال في الإعلان عن نية الانتقام، وربما يعكس حالة استنفار قصوى داخل غرف القيادة العسكرية والسياسية في طهران.

وكانت قد أعلنت وسائل إعلام إيرانية أن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة أودت بحياة عدد من القادة العسكريين والعلماء النوويين، واستهدفت مواقع شديدة الحساسية، من بينها منشآت نووية تقع في عمق الأراضي الإيرانية، ضمن ضربة افتتاحية مفاجئة نفذتها مئات المقاتلات الإسرائيلية فجر اليوم، مما يشير إلى أن الرد الإيراني لن يكون بعيدًا، بل قد يكون أكثر اتساعًا وتعقيدًا مما حدث بعد مقتل سليماني.

أبعاد دينية وسياسية للراية الحمراء

تاريخيًا، كانت الرايات الحمراء تُرفع فوق قبور المظلومين أو القتلى ممن لم يُؤخذ بثأرهم، وتبقى مرفوعة حتى تحقيق العدالة، وفي السياق الإيراني الحديث، أصبحت هذه الراية مرتبطة بشكل وثيق بـ”المظلومية السياسية” التي ترفعها طهران كلما تعرضت لضربات كبرى، خاصة من إسرائيل أو الولايات المتحدة.

بذلك لا تقتصر الراية على الدلالة العسكرية، بل تحمل رسالة لداخل إيران وخارجها، للداخل تأكيد على وحدة المصير والاستعداد للثأر، وللخارج إنذار بأن خطوط طهران الحمراء قد تم تجاوزها، وأن الرد مسألة وقت.

راية لا ترفع عبثًا

رفع راية الثأر الحمراء فوق مسجد جمكران لا يعد خطوة بروتوكولية أو تعبيرًا شعبيًا فقط، بل هو حدث مفصلي يعكس قرارًا سياديًا بالتصعيد، ومع تصاعد التوتر الإقليمي، خاصة بعد الضربات الإسرائيلية العنيفة، فإن العين الآن على طهران وقيادتها العسكرية: هل ستأتي ساعة “الوعد الصادق 3” قريبًا؟ أم أن إيران ستنتظر ترتيب أوراقها لرد استراتيجي واسع وموجع