ذكرت صحيفة “هآرتس” العبرية في تقريرها حول التصعيد القائم بين إيران والاحتلال الإسرائيلي، أن ما يصفه رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بـ”الانتصار”، ليس سوى مظهر من مظاهر الانهيار، في انتقاد مباشر لرؤيته وطرحه للأحداث الجارية.

مقال له علاقة: وزير إسرائيلي يكشف عن احتمال انهيار حكومة نتنياهو قبل نهاية العام
كل شيء بدا كأنه خلف زجاج شفاف
وعبر الكاتب إيتان نيشين في الصحيفة قائلًا: «بدا كل شيء مختلفًا تمامًا منذ أن نفّذت إسرائيل ضربة قوية استهدفت المواقع النووية في إيران ليلة الأمس، فقبل أسبوعين فقط، رافقت والديّ وأخواتي للمشاركة في وقفة احتجاجية مع عائلات الرهائن الذين ما زالوا في قبضة حماس، فمرور 600 يوم على اندلاع حرب غزة، كانت هذه الزيارة الأولى لابني إلى إسرائيل منذ 7 أكتوبر، كل شيء بدا كأنه خلف زجاجٍ شفاف، بعيد ولكنه حقيقي
وأضاف نيشين، الحشد كان مهيبًا وصامتًا، عائلات الرهائن صعدت إلى المنصة، البعض أعلن أن النصر لا يأتي إلا بعودة أحبائهم، والبعض وجّه سهام النقد لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وائتلافه اليميني المتشدد، وآخرون وجهوا مناشدات إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، امرأة بكت في الميكروفون، ورجل وقف مذهولًا يحدّق في لا شيء بينما كانت الموسيقى تُعزف، غنّى رامي كلاينشتاين أغنية مؤثرة عن إسرائيل “عجائبك لم تنتهِ بعد” لكنها بدت وكأنها سخرية قاسية.
صحيفة عبرية تنتقد أفعال الاحتلال
وعلى مدار العامين الماضيين، من يعيش وسط هذه الحرب يرى آثارها في كل مكان، ملصقات الجنود القتلى تملأ محطات القطار، ولافتات ضحايا مهرجان نوفا، وصور الرهائن الممزقة، وشرائط صفراء ترفرف من نوافذ السيارات، والحرب حاضرة بوضوح، لكنها تسربت أيضًا إلى روتين الحياة اليومية، وتتأرجح المشاعر بين الإنكار والعجز، لا أحد يريد مناقشة ما قد يحدث لاحقًا، لا أحد يريد سماع أخبار غزة، ولا أحد يعرف كيف يمكن إعادة الرهائن الباقين إلى منازلهم.
وقبل أيام، تحدثوا عن ضربة كبرى ضد إيران، ضربة قد تُذل النظام في طهران، وتقلب موازين القوى، وتُنهي الخطر إلى الأبد، ربما كانوا على حق، ربما توقظ هذه الضربة شيئًا ما.
وهكذا، في اليوم 616 من الحرب، بدا وكأن إسرائيل بلغت ذروتها، طائراتها قصفت العمق الإيراني، وفجأة دبت الحياة في التحليلات والشاشات، الكلمات المعتادة ظهرت: “تاريخية”، “مغيرة”، وظهر نتنياهو مبتهجًا يتحدث عن “حرب تنهي كل الحروب”، وارتفعت النبرة، وأعيد ضخ العنف كوقود لبعث الشعور الوطني من جديد
ربما يكونون على صواب، وربما يؤدي سقوط النظام الإيراني، بإيديولوجيته المتطرفة وفساده، إلى بزوغ فجر جديد، وربما ينهض المجتمع الإيراني، الذي أثبت شجاعته في الشوارع، ويُسقط هذا النظام.
لكن حتى لو تغيّرت إيران، هل سيتغيّر المجتمع الإسرائيلي؟
لم تعد إسرائيل تؤمن بقدرتها على إصلاح نفسها، لم نعد نملك الإرادة الجماعية لتحقيق الحلم، مؤسساتنا انهارت منذ وقت طويل، قبل أن تنهار مبانٍ في طهران، جذورنا فُرغت من معناها.
الذي تبقّى هو مزاج وطني متقلب: اكتئاب من تحت الأرض التي يُحتجز فيها الرهائن، وهستيريا من نشوة ضربة جوية ناجحة، هذه أصبحت ملامح الهوية الإسرائيلية
أكتب هذه السطور بينما الصواريخ الإيرانية تمطر إسرائيل، من شقتي في نيويورك، أراسل عائلتي في حيفا لأطمئن عليهم، يسألني الناس هنا إن كنا بأمان، يخشون اعتصامات غزة في جامعة كولومبيا أو إطلاق نار في واشنطن، وكأن الخطر هناك، وليس في إسرائيل.
محكومون بنظام فاسد وعاجز
لكن هذه الليلة، مثل كثيرات قبلها، تحولت من “نصر” مزعوم إلى ليل طويل لا ينتهي، حتى لو “انتصرت” إسرائيل في هذه الجولة، فماذا كسبنا؟ هل يمكن الحديث عن نصر بينما نحن محكومون بنظام فاسد وعاجز؟
لن يكون هناك نصر بلا مواجهة حقيقية، الإيمان بقدرٍ خارجي أو معجزة تُسقط النظام في طهران، دون رغبة في التغيير الداخلي، يغذّي هذه الدائرة المفرغة من العجز والأنانية، إسرائيل أصبحت معزولة عالميًا.
في هذه اللحظات التي طالت حتى تحولت إلى سنوات، نحن بحاجة إلى نموذج جديد كليًا، وإلا، كما قال نتنياهو – أو كما تمنى – سنظل نعيش بالسيف.
تستمر الأيام في المرور، من احتجاج إلى احتجاج، من رهينة إلى أخرى، من مقتل جندي إلى أربعة، من مفاوضات لوقف النار إلى نهايتها، من وفود تغادر الدوحة وأخرى تصل، من صواريخ تُطلق من اليمن وعليه، ولا شيء يتغير.
قد ننجو مرارًا بفضل “القبة الحديدية”، لكن ليس بفضل معجزة سماوية، ما سيقضي علينا لن يأتي من السماء، بل سيتعفن من الداخل: من أنفاق الرهائن، من جذور الزيتون المحروقة، من صمتٍ تعوّدنا عليه، إذا كان هذا هو النصر، فلماذا نشعر بالانهيار
مقال مقترح: 800 محامٍ وقاضٍ في بريطانيا يطالبون بتطبيق عقوبات مشددة على إسرائيل