دعم التنمية والرقابة وضوابط التمويلات الأجنبية للجمعيات الأهلية

تعتبر الجمعيات الأهلية في مصر عنصرًا أساسيًا في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز العدالة الاجتماعية، حيث تنفذ مشروعات خدمية وتنموية تستهدف الفئات الأكثر احتياجًا، خصوصًا في المناطق النائية والأكثر فقرًا، وفي ضوء أهمية التمويلات لاستمرار هذه الأنشطة، أتاح المشرع المصري فتح باب التمويلات الأجنبية للجمعيات الأهلية مع الالتزام بضوابط تنظيمية صارمة تحت إشراف وزارة التضامن الاجتماعي لضمان الشفافية وسلامة الصرف.

دعم التنمية والرقابة وضوابط التمويلات الأجنبية للجمعيات الأهلية
دعم التنمية والرقابة وضوابط التمويلات الأجنبية للجمعيات الأهلية

وفقًا للبيانات الرسمية من وزارة التضامن الاجتماعي، بلغ إجمالي التمويلات الأجنبية التي حصلت عليها الجمعيات الأهلية في عام 2025 حوالي 2 مليار جنيه، مما يعكس الثقة الكبيرة التي تحظى بها هذه الجمعيات من الجهات المانحة الدولية، بالإضافة إلى الأثر الإيجابي المتزايد لمشروعاتها في مختلف المحافظات.

مسار قانوني صارم لتنظيم التمويل

تنظيم التمويلات الأجنبية للجمعيات ليس جديدًا، بل جاء في إطار تطوير التشريعات المنظمة للعمل الأهلي في مصر، حيث شهدت البلاد نقلة نوعية بصدور قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي رقم 149 لسنة 2019 ولائحته التنفيذية التي أُصدرت عام 2021، وقد ألغى هذا القانون العديد من القيود التعجيزية السابقة، ليضع إطارًا أكثر مرونة يحقق التوازن بين حرية العمل الأهلي ومتطلبات الأمن القومي والرقابة المالية.

ينص القانون على أن كل جمعية أو مؤسسة أهلية ترغب في الحصول على تمويل من جهة أجنبية، سواء داخل مصر أو خارجها، يجب أن تتقدم بطلب إلى الإدارة المختصة بوزارة التضامن الاجتماعي موضحة فيه بيانات الجهة المانحة، ومبلغ التمويل، والغرض منه، وطرق الصرف المتوقعة، ولا يجوز للجمعية التصرف في أي مبالغ أو توقيع اتفاقيات قبل الحصول على الموافقة الرسمية من الوزارة، وإلا تعرضت للمسائلة القانونية التي قد تصل إلى حل الجمعية وتصفية أموالها لصالح مشروعات تنموية أخرى.

إجراءات التقديم والموافقة

تخضع طلبات التمويل الأجنبي لمراجعة دقيقة من جانب الوزارة، حيث تقوم إدارة الجمعيات والمؤسسات الأهلية بدراسة مدى توافق التمويل مع أغراض الجمعية المسجلة بالنظام الأساسي، ومدى التزام الجمعية بالشفافية في حساباتها وأنشطتها السابقة، وتحدد اللائحة التنفيذية للقانون مدة زمنية محددة للرد على الجمعية بالموافقة أو الرفض مع إبداء الأسباب، وفي حال عدم الرد خلال المدة القانونية، يعتبر الطلب مقبولًا بحكم القانون وفقًا لمبدأ «عدم الرد يعد موافقة» الذي أقره التشريع الأخير لضمان عدم تعطيل الأنشطة الحيوية للجمعيات الجادة.

دور رقابي وميداني لوزارة التضامن

لا يقتصر دور وزارة التضامن على إصدار الموافقات فحسب، بل يمتد أيضًا إلى متابعة أوجه الصرف من خلال تقارير مالية دورية تقدمها الجمعيات، بالإضافة إلى الزيارات الميدانية المفاجئة التي ينفذها مفتشو الوزارة للتحقق من تنفيذ الأنشطة الممولة وفقًا للخطط المعتمدة، وفي حال اكتشاف أي انحراف عن الأهداف المقررة أو وقوع مخالفات مالية، يحق للوزارة اتخاذ الإجراءات القانونية التي قد تصل إلى وقف التمويل أو طلب استرداده أو إحالة المخالفين إلى النيابة العامة.

بفضل هذا النظام الرقابي، نجحت الوزارة في السنوات الأخيرة في الحد من شبهات استغلال التمويلات في غير الأغراض المخصصة لها أو استخدامها لأغراض سياسية أو حزبية، مما عزز الثقة مجددًا بين الجمعيات والجهات المانحة الدولية، التي تشترط بدورها شفافية الجهات المتلقية للتمويل ومدى التزامها بالقوانين المحلية.

الجهات المانحة: دعم متعدد المجالات

تشمل الجهات المانحة للجمعيات الأهلية في مصر منظمات دولية متعددة الأطراف مثل هيئات الأمم المتحدة، والوكالات الإنمائية الأوروبية والأمريكية، بالإضافة إلى بعض الحكومات والمنظمات الخيرية الكبرى التي تقدم تمويلات مباشرة أو عبر برامج تعاون مشترك مع الحكومة المصرية، وتوزع أوجه إنفاق التمويلات على برامج ومشروعات ذات أولوية وطنية، مثل مكافحة الفقر، وتحسين مستوى المعيشة في المناطق الريفية، ودعم التعليم الأساسي ومحو الأمية، وتحسين الخدمات الصحية، وبرامج تمكين المرأة والشباب، ومشروعات صغيرة ومتناهية الصغر تخلق فرص عمل مستدامة.

نجاحات ومؤشرات على أرض الواقع

بحسب متابعين للعمل الأهلي، فإن الجمعيات الكبرى التي تتمتع بسمعة جيدة وسجل حافل في الإدارة والإنجاز هي الأكثر قدرة على جذب التمويلات الأجنبية، بفضل ما تملكه من كوادر مؤهلة وخطط تنفيذية واضحة وتقارير مالية مدققة تضمن للجهة المانحة الاطمئنان إلى وصول أموالها إلى مستحقيها الحقيقيين، كما يشير بعض مسؤولي الجمعيات إلى أن وزارة التضامن الاجتماعي حرصت خلال العامين الأخيرين على تسريع إجراءات الموافقات وتقديم تسهيلات تقنية من خلال ميكنة تقديم الطلبات إلكترونيًا، ما وفر وقتًا وجهدًا كبيرين للجمعيات، خاصة في ظل الاتجاه لتقليل التعاملات الورقية وتشجيع التحول الرقمي.

تحديات قائمة ورؤية مستقبلية

على الرغم من النجاحات التي تحققت، تواجه الجمعيات الأهلية في مصر بعض التحديات المتعلقة بالقدرة على إعداد مقترحات مشروعات تتوافق مع شروط الجهات المانحة الدولية، بالإضافة إلى نقص الكوادر المدربة على كتابة التقارير الفنية وإعداد دراسات الجدوى وإدارة المشروعات وفقًا للمعايير الدولية، وفي هذا السياق، تعمل وزارة التضامن الاجتماعي بالتعاون مع شركاء التنمية على تنفيذ برامج تدريبية وورش عمل تهدف إلى بناء قدرات الجمعيات الصغيرة والمتوسطة وتعريفها بآليات جذب التمويلات الخارجية وإدارة المنح بكفاءة وشفافية، بما يحقق الهدف الأسمى وهو تحسين حياة المواطن المصري وتعزيز مشاركة المجتمع المدني كشريك أصيل في خطة الدولة لتحقيق التنمية المستدامة وفقًا لرؤية مصر 2030.

تشير مؤشرات عام 2025 إلى أن الجمعيات الأهلية أصبحت ركيزة أساسية في منظومة التنمية بمصر، مع التزام واضح من وزارة التضامن الاجتماعي بضمان تيسير وصول التمويلات الأجنبية لها دون الإخلال بالقوانين المنظمة أو السماح بأي تجاوزات، ويعكس حجم التمويلات التي تجاوزت 2 مليار جنيه في عام واحد حجم الثقة الدولية المتجددة في قدرة الجمعيات المصرية على توظيف الموارد بفاعلية لخدمة قضايا المجتمع الملحة.