في قرية الحلة التابعة لمركز قوص بمحافظة قنا، تُعتبر مني قوت، المعروفة بين الأهالي بلقب “صبرية السباعي”، فتاة غير عادية في مجتمع تحكمه التقاليد، حيث اختارت أن تسلك طريقًا مليئًا بالتحديات، وتمتهن مهنة لطالما ارتبطت بالرجال، واليوم تُعد أول فتاة في المحافظة تقود توك توك لكسب لقمة العيش بكرامة، مرتدية الإيشارب وملابس عصرية، محافظة على هويتها كامرأة صعيدية لم تخجل يومًا من كفاحها.

مقال له علاقة: القاهرة تعلن الاستعداد القصوى في 7 مجازر حكومية خلال عيد الأضحى
طفولة من رحم المعاناة
بصوت مفعم بمزيج من الحزن والفخر، تحكي مني قوت تفاصيل مؤلمة عن طفولتها التي بدأت بمأساة أسرية: “والدي تركنا لأن أمي لم تُنجب له سوى البنات.. كنت في السادسة من عمري حين خرجت من المدرسة لأعمل وأساعد أمي” ثلاث شقيقات وأم مجاهدة واجهن مصيرًا غامضًا بعد أن قرر الأب التخلي عن أسرته، ليتزوج وينجب ذكورًا، تاركًا خلفه مسؤولية ثقيلة ألقتها الحياة على عاتق مني الصغيرة
من طُلاعة نخيل إلى سائقة توك توك
لم تكن مني تعرف شيئًا عن مفردات الطفولة، فسرعان ما وجدت نفسها تتنقل من مهنة إلى أخرى: بدأت بـ”طلاعة النخيل”، ثم عملت في حمل ونقل أجولة الدقيق على نقالات حديدية، ومع بداية جائحة “كورونا”، انضمت لمتطوعي دفن موتى الوباء، حين تراجع كثير من الشباب عن تلك المهمة الصعبة، “كنت بحفر القبور علشان الناس كانت خايفة.. وربنا بيقويني”، تقول مني بكل شجاعة وهي تستعيد ذكرياتها في عز المحنة
مواضيع مشابهة: التضامن توزع 2 مليون وجبة ولحوم بالتعاون مع مؤسسة أبو العنين الخيرية
التوك توك.. نقطة التحول
نقطة التحول الكبرى في حياة مني جاءت عندما أهدى لها أحد فاعلي الخير توك توك صغير، لم تتردد لحظة، بل قررت أن تتعلم القيادة رغم عدم خبرتها السابقة، “أول يوم طلعت بيه اتقلب بيا.. اتعورت، لكن ما خفتش”، تسترجع مني تجربتها الأولى المؤلمة التي لم تكسر عزيمتها، بل زادت إصرارها على التحدي، وبالفعل، أصبحت اليوم من أمهر سائقي التوك توك في المنطقة، تجوب طرقات قريتها بثقة، وتفضل الابتعاد عن الطرق الوعرة “علشان تبقى في أمان”.
دعم الناس.. وصعوبات الطريق
رغم أن كثيرين احتفوا بها وساندوها، إلا أن مني لا تُنكر وجود مَن سخروا أو اعترضوا، معتبرين ما تقوم به “عيبًا” أو “خروجًا عن المألوف”، لكنها لم تُعر تلك الأصوات انتباهًا، “أنا بشتغل شغل شريف.. ما بمدّش إيدي لحد”، ترد مني بثقة، مؤكدة أنها وجدت الدعم الحقيقي في ابتسامة أمها، وفخر شقيقاتها بما وصلت إليه.
حلم الحج ورضا الأم
ورغم كل ما مرت به من صعوبات وتحديات، لا تطمح مني سوى في أمر بسيط لكنه عظيم: “نفسي أزور بيت ربنا أنا وأمي.. ده الحلم اللي بشيل له كل قرش زيادة”، مني قوت.. لم تكتب قصة نجاحها في صفحات الكتب، بل سطّرتها على طرقات قنا يومًا بعد يوم، بقيادة توك توك وقلوب مليئة بالإصرار، لتُثبت أن الكفاح لا يفرّق بين رجل وامرأة، وأن العزيمة وحدها تصنع المعجزات