لطالما كانت بطولة كأس العالم للأندية، في نسختها القديمة التي تضم سبعة فرق فقط، منصة تتكرر فيها بعض الوجوه المألوفة، وأحيانًا تتمكن هذه الفرق من تحقيق مراكز متقدمة، خاصة الميدالية البرونزية التي باتت تُعتبر بمثابة “درع شرف” للفرق غير الأوروبية واللاتينية.

اقرأ كمان: بتكلم عربي بصعوبة.. محمد صلاح يتحدث عن معاناته في الغربة وذكرياته في الشارع
لكن مع انطلاق النسخة الموسعة من البطولة في عام 2025، التي تضم 32 فريقًا من نخبة أندية العالم، تبدو قواعد اللعبة قد تغيرت بشكل جذري، فالمونديال الجديد يُقدم مقياسًا أكثر دقة لقوة الأندية العالمية، مما يهدد بتعرية صورة “الإنجازات” السابقة، ويدفع العديد من الفرق التي كانت ضيفًا دائمًا على منصات التتويج نحو الخروج المبكر، بل ويفضح، كما يرى البعض، حقيقة المنافسة التي كانت أقل حدة في المواسم السابقة.
من القاع إلى القمة.. ثم الهاوية في المونديال الجديد:
يُعتبر النادي الأهلي خير مثال على هذه الظاهرة، فالعملاق القاهري، صاحب الرقم القياسي في عدد المشاركات الأفريقية، ونادي القرن في أفريقيا، يمتلك في جعبته عددًا كبيرًا من الميداليات البرونزية في تاريخ كأس العالم للأندية، وهي إنجازات طالما افتخر بها جماهيره واعتبرها مؤشراً على مكانته العالمية.
طريق الأهلي نحو البرونزية في النسخ السابقة كان غالبًا ما يمر بتجاوز عقبة بطل قارة أقل قوة (كأفريقيا أو آسيا أو الكونكاكاف)، ثم الاصطدام بالعملاق الأوروبي أو اللاتيني في نصف النهائي، ليخوض بعدها مباراة تحديد المركز الثالث أمام فريق من ذات المستوى القاري أو أقل، مما سهل نسبياً مهمة الحصول على الميدالية.
لكن في النسخة الحالية الموسعة، يبدو أن “طريق الشرف” هذا قد اختفى، فالأهلي، الذي استهل مشواره بنقطة وحيدة من مباراتين، يواجه صعوبات بالغة في مجموعته القوية، وبات شبح الخروج يطارده بقوة.
هذه المعاناة، في ظل المنافسة الشرسة مع أندية أوروبية ولاتينية وأخرى آسيوية وإفريقية ذات إمكانيات ضخمة، تُعيد طرح السؤال: هل كانت برونزيات الأهلي السابقة تعكس فعلاً قوة عالمية مطلقة، أم أنها كانت نتيجة لهيكل بطولة يخدم فرقًا معينة ويمنحها فرصًا أفضل للوصول للمنصات؟ إن الأداء الحالي للأهلي في النسخة الموسعة، مقارنةً بماضيه، يوحي بأن المنافسة باتت أشرس وأكثر تكافؤًا، مما يجعل الفوز بالميداليات أمرًا يتطلب مستوى استثنائيًا لا يقتصر على مجرد التغلب على “عقبتين” في طريق البرونزية
باتشوكا وأوكلاند سيتي.. رفقاء درب يواجهون المصير ذاته:
لا يقتصر الأمر على الأهلي وحده، فنادٍ مثل باتشوكا المكسيكي، الذي كان ضيفًا شبه دائم على البطولة في نسختها القديمة كممثل لقارة أمريكا الشمالية (الكونكاكاف)، غالبًا ما كان يجد طريقه إلى الأدوار المتقدمة (ولو لم يحصد البرونزية بنفس وتيرة الأهلي)، وكذلك أوكلاند سيتي النيوزيلندي، ممثل أوقيانوسيا، الذي كان يُعتبر “صاحب العرف” في افتتاحيات البطولة، ونجح في تحقيق إنجازات تاريخية لبلاده وقارته بوصوله للمركز الثالث في إحدى النسخ.
اليوم، في ظل النسخة الموسعة، يجد كل من باتشوكا وأوكلاند سيتي، إضافة إلى أندية أخرى كانت معتادة على الظهور، أنفسهم في مواجهة حقيقة مختلفة تمامًا، فالمجموعات باتت تضم فرقًا من عمالقة القارات بلا استثناء، ولم يعد هناك مساحة لـ”المباريات السهلة” أو “الطرق المختصرة” نحو المجد، هذه الفرق، التي كانت تستفيد من قلة عدد المشاركين ووضوح مسارات التأهل في البطولة القديمة، تواجه الآن تحديًا هائلًا لإثبات قدرتها على المنافسة على أعلى المستويات العالمية، وقد يكون الخروج المبكر مصيرًا حتميًا للعديد منها.
اقرأ كمان: البنك الأهلي يسعى للتتويج بلقب كأس عاصمة مصر ومعلول غير موجود في خططنا
المونديال الجديد.. مقياس حقيقي للقوة:
إن التشكيلة الجديدة لكأس العالم للأندية، بمشاركتها الواسعة ونسقها الشبيه بكأس العالم للمنتخبات، تُقدم مقياسًا أكثر دقة وواقعية للقوة الحقيقية للأندية حول العالم، لم تعد البطولات القارية وحدها كافية لضمان التفوق في هذا المحفل العالمي، فالأمر يتطلب عمقًا في التشكيلة، استقرارًا ماليًا، قدرة على التعامل مع جداول مباريات مكثفة، ومواجهة أنماط لعب متنوعة.
بينما تُعتبر برونزيات الأهلي وإنجازات باتشوكا وأوكلاند سيتي في الماضي جزءًا من تاريخهم المشرف، فإن النسخة الحالية من كأس العالم للأندية تبدو وكأنها تختبر صحة هذه الإنجازات في سياق منافسة عالمية أكثر شمولية وقسوة، فهل ستكون هذه البطولة هي الفاضحة لتلك “الإنجازات الوهمية” – كما يرى بعض النقاد – أم أنها ستدفع هذه الأندية، وفي مقدمتها الأهلي، إلى تطوير نفسها بشكل لم يسبق له مثيل لتثبت أن مجدها لم يكن مجرد صدفة أو نتاج لظروف تنظيمية؟ الأيام القادمة ستحمل الإجابة، وستحدد من هو “التنين” الحقيقي القادر على الصمود في وجه “طواحين الهواء” العالمية.