في صرخة مؤلمة تطلقها أم مصرية تعيش في جدة، تبدأ قصتها منذ أن كانت فتاة لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها، حيث أجبرها أهلها على الزواج من شاب سوداني عن طريق معارف العائلة، رغم رفضها القاطع وإصرارها على متابعة دراستها، “كنت ببكي كل يوم، وكنت عاوزة أكمل دراستي.. لكن مفيش حد سمعني”، هكذا تروي بداية مشوارها.

مقال له علاقة: محافظ الجيزة يؤكد أن القطاع العقاري يعد ركيزة أساسية لدعم الاقتصاد الوطني
ورغم أن القانون المصري يمنع توثيق زواج القاصرات، إلا أن الأهل وجدوا حلاً آخر، حيث أرسلوها إلى السودان حيث لا يُمنع زواج من في مثل عمرها، وهناك تم عقد القران رسميًا، وأخبر الزوج الأسرة أنه سيأخذها إلى السعودية لاستكمال دراسته العليا، ووعدهم بالعودة بها لاحقًا إلى السودان، مؤكدًا: “مش هتشوفوها تاني”.
وبالفعل، انتقلت الزوجة الصغيرة إلى جدة، وهناك بدأت فصول جديدة من المعاناة، “معاملته اتغيرت.. كان بيسئ ليّا بالكلام والتصرفات، لحد ما جالي جلطة في المخ من الزعل”، تقول وهي تسترجع أصعب أيام حياتها.
ورغم المرض، كانت عازمة على استكمال حياتها، التحقت بجامعة أزهرية في تخصص الشريعة وتخرجت، ثم عملت مدرسة في إحدى المدارس الخاصة بجدة، بينما أعلن الزوج أنه لا يعمل لأنه مخلوق للعبادة، ورفض الإنفاق، مما جعلها تتحمل وحدها مسؤولية إعالة أبنائها الخمسة، أكبرهم “عمر”.
قررت الطلاق بعدما فقدت أي أمل في التفاهم، واستعانت بنفسها، ونجحت في الحصول على الحضانة من المحكمة، وبعد سنوات من الصبر، في رمضان 2024، طلب الأب رؤية أطفاله، وافقت وسألتهم إن كانوا يحبون قضاء أيام معه قبل سفرها إلى القاهرة، لكنها لم تكن تعلم أن هذه ستكون لحظة الوداع.
“أولادي اختفوا.. وبقيت مش عارفة أوصل لهم”، تروي باكية، وبعد البحث، تبين أن عمهم السوداني خطف الأطفال وسافر بهم إلى السودان دون إذن منها، ومنذ ذلك الحين، لم ترهم ولم تسمع عنهم شيئًا، اليوم مر عام وأربعة أشهر، وما زالت الأم تبحث وتسأل وتبكي، وتخشى أن يمسهم مكروه وسط الحروب والأوبئة هناك.
تقول والألم يسبق دموعها: “نفسي أشوفهم، أطمن عليهم.. مش عايزة غير إن حد يساعدني أرجّع أولادي لحضني”.
في وقتٍ سابق، انتقلوا إلى المملكة العربية السعودية حيث كان الزوج يدرس هناك دراسات عليا، وبدأت أم أحمد في بناء حياتها رغم صعوبة الظروف، وأنجبت منه أربعة أولاد وبنت، أكبرهم يبلغ الآن 11 عامًا، وأصغرهم لم تكمل عامها الثالث.
تقول السيدة إن الزوج كان يظهر بمظهر المتدين والملتزم، لكنه كان يعاملها بقسوة شديدة، ولا ينفق على أبنائه، مما اضطرها للعمل والاعتماد على نفسها في كل شيء، وبعد 11 عامًا من المعاناة، تعرضت لجلطة في المخ، ما أجبرها على التوقف عن العمل، وطلبت من والد أطفالها أن يتحمل مسؤوليته، لكنه رفض قائلًا: “أنا ما بصرفش على عيال”.
لجأت أم أحمد إلى القضاء السعودي الذي حكم لها بالخلع، ومنحها حضانة الأطفال، واستمر الوضع بشكل طبيعي، حيث كان الأب يرى أبناءه بشكل متقطع، حتى جاء اليوم الذي طلب فيه رؤيتهم، واصطحبهم من المنزل ولم يعد بهم مرة أخرى.
بعد اختفائهم، اكتشفت الأم أن الأطفال تم تهريبهم إلى السودان بمساعدة شقيق والدهم، بينما بقي الأب في السعودية، ورفضت الشرطة السعودية التدخل، بدعوى أن الأطفال خرجوا من البلاد برفقة أحد أقاربهم بشكل قانوني.
مواضيع مشابهة: وزارة التربية والتعليم توضح مهام رؤساء لجان امتحانات الثانوية العامة 2025
طرقت أم أحمد كل الأبواب، من السلطات السعودية إلى السفارة المصرية، ثم عادت إلى مصر وذهبت إلى وزارة الخارجية، التي أبلغتها أن الأمر يتطلب توكيل محامٍ دولي، وهو أمر فوق قدرتها المادية.
الآن، وبعد مرور عام ونصف على اختطاف أبنائها، تعيش الأم في خوف دائم على مصير أولادها، خصوصًا بعد تدهور الأوضاع الأمنية في السودان، وتخشى أن يصيبهم أي مكروه، قائلة:
“أنا مش عارفة ولادي عايشين ولا لأ.. بقالي سنة ونص نايمة وقلبي برا مصر، حد ينقذ أولادي من الضياع”.
وتناشد أم أحمد كافة الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارة الخارجية المصرية، بسرعة التدخل واتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة أطفالها قبل أن تضيع حياتهم في بلد يعاني من النزاعات والحروب، بينما تعيش أمهم مأساة لا يراها أحد.