شهدت منطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة تحولات سياسية ودبلوماسية لافتة، كان أبرزها توقيع ما عُرف بـ “الاتفاقيات الإبراهيمية”، وهي سلسلة اتفاقيات تطبيع بين دول عربية وإسرائيل، تمت برعاية مباشرة من الولايات المتحدة الأمريكية.

مقال له علاقة: بوتين يحذر من أن التدخل الخارجي في الصراع مع إيران يهدد الاستقرار العالمي
وأثارت هذه الاتفاقيات جدلًا واسعًا، إذ رأى فيها البعض خطوة نحو الاستقرار الإقليمي وتعزيز التعاون الاقتصادي، بينما اعتبرها آخرون تراجعًا عن المواقف العربية التاريخية من القضية الفلسطينية، وتطبيعًا غير مشروط مع دولة الاحتلال.
ومنذ نكبة عام 1948، ظل الصراع العربي الإسرائيلي محورًا رئيسيًا في السياسة الإقليمية، وشهد حروبًا دامية، ومحطات تفاوضية معقدة، ومبادرات سلام متعثرة، لكن عام 2020 شكّل نقطة تحوّل، حين أعلنت الإمارات والبحرين توقيع اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل، تبعتهما لاحقًا السودان والمغرب، لتعيد هذه الخطوة تشكيل التحالفات والمصالح في المنطقة.
مضامين الاتفاقيات الإبراهيمية
بحسب ما ورد في إعلان الاتفاق، تؤكد الأطراف الموقعة التزامها بـ.
تعزيز السلام والتفاهم والتعايش بين شعوب المنطقة.
دعم الحوار بين الأديان والثقافات.
السعي إلى بناء شراكات اقتصادية وعلمية وإنسانية.
اقرأ كمان: إيلون ماسك يسعى للبقاء في منصبه الحكومي لكن طلبه قوبل بالرفض بحسب تليجراف
مقاومة التطرف والعنف، وتمهيد الطريق لمستقبل أفضل في الشرق الأوسط.
دلالات سياسية واقتصادية
يرى معهد السلام للاتفاقيات الإبراهيمية، ومقره واشنطن، أن هذه الاتفاقيات فتحت صفحة جديدة من التعاون الإقليمي، مشيرًا إلى أنها قد تسهم في خلق ملايين فرص العمل وتحفيز اقتصاد المنطقة بتريليونات الدولارات خلال العقد المقبل.
ويزعم أن الاتفاقيات انعكست على العلاقات الاقتصادية بين الموقعين، خصوصًا الإمارات وإسرائيل، حيث تجاوز حجم التبادل التجاري بينهما نصف مليار دولار في عام واحد فقط.
أبعاد استراتيجية
تمثل الاتفاقيات خطوة مهمة في مواجهة النفوذ الإيراني، حيث تسعى دول الخليج إلى تعزيز تحالفها مع إسرائيل والولايات المتحدة في هذا السياق، خاصةً في ظل القلق من النشاطات الإيرانية في المنطقة، كما أن بعض الدول، مثل الإمارات، سعت لتعزيز مكانتها كقوة اقتصادية وعسكرية إقليمية، مستفيدة من صفقات تسليح متقدمة كطائرات “إف-35”.
الضغوط على القضية الفلسطينية
رغم المكاسب المعلنة، اعتبر كثيرون أن الاتفاقيات تجاهلت جوهر الصراع العربي الإسرائيلي، وهو القضية الفلسطينية، إذ لم تشترط الاتفاقيات توقف الاحتلال أو إقامة دولة فلسطينية مستقلة، مما دفع بعض المراقبين لاعتبارها تطبيعًا مجانيًا.
وقد ساهمت الحرب بين إسرائيل وحماس في أكتوبر 2023، وما تبعها من دمار واسع في غزة، في تراجع التأييد الشعبي لهذه الاتفاقيات، ما صعّب محاولات إقناع دول عربية أخرى بالانضمام.
وتمثل “الاتفاقيات الإبراهيمية” تحوّلًا استراتيجيًا في المنطقة، نقل العلاقات العربية الإسرائيلية من السر إلى العلن، وفتح الباب أمام تحالفات مبنية على المصالح الاقتصادية والأمنية، متجاوزةً الثوابت الأيديولوجية التقليدية، لكن مستقبل هذه الاتفاقيات سيظل مرهونًا بقدرتها على معالجة جذور الصراع، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، التي تبقى المفتاح لأي سلام حقيقي في الشرق الأوسط.
الدول الأقرب من الانضمام إلى اتفاقيات الإبراهيمية
ووفقًا للدول التي تعتبر قريبة من الانضمام إلى اتفاقيات الإبراهيمية، قال ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، إن الأشهر المقبلة قد تشهد انضمام دول عربية جديدة إلى اتفاقيات إبراهيم، وهي سلسلة من اتفاقات التطبيع التي بدأت بين إسرائيل وعدد من الدول العربية في سبتمبر 2020.
وفي مقابلة أجراها مع صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية مساء الأربعاء، أعرب ويتكوف عن تفاؤله إزاء التطورات المرتقبة في المنطقة، مشيرًا إلى أن هناك جهودًا دبلوماسية متواصلة تدفع بهذا الاتجاه.
وأضاف: “نُعول كثيرًا على إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام شامل مع إيران خلال الفترة المقبلة، وهناك مؤشرات إيجابية على استعداد طهران للدخول في تفاهمات”
وأوضح ويتكوف أن “الأسابيع القادمة قد تشهد إعلانات مهمة بشأن انضمام دول عربية جديدة إلى اتفاقيات إبراهيم”، دون أن يحدد الدول المعنية أو عددها، لكنه شدد على أن إدارة ترامب تواصل جهودها لتوسيع هذه المبادرة الإقليمية.
يُذكر أن اتفاقيات إبراهيم شهدت حتى الآن توقيع كل من الإمارات والبحرين في سبتمبر 2020، في خطوة وُصفت بأنها إعادة رسم لملامح التحالفات الإقليمية في الشرق الأوسط.