في ظل تصاعد الضغوط العسكرية الإسرائيلية والأمريكية، ظهر المرشد الإيراني علي خامنئي، ثلاث مرات خلال أسبوعين، من موقع سري لا يُعرف مكانه، عبر رسائل مسجلة بدلاً من خطبه المعتادة أمام الجمهور أو المسؤولين، مما أثار مخاوف جدّية بشأن محاولات اغتياله. يُعتبر خامنئي، الذي يتولى الحكم منذ عام 1989، رمزًا رئيسيًا للاستمرارية السياسية في إيران، وقد أثار غيابه عن المشهد منذ الهجوم الإسرائيلي في 13 يونيو الكثير من التكهنات، خاصة مع امتناع مستشاريه عن تقديم معلومات دقيقة حول حالته الصحية أو مكانه.

مقال مقترح: إيران أم إسرائيل وأمريكا.. خبير علاقات دولية يكشف عن الطرف الأكثر حظاً في الانتصار
التحصن تحت الأرض.. وبدائل جاهزة
كشفت تقارير إعلامية أمريكية، أبرزها من نيويورك تايمز ورويترز، أن خامنئي، الذي يبلغ من العمر 86 عامًا، يعيش في مخبأ محصن تحت الأرض، تحت حماية مشددة من “فيلق ولي الأمر” التابع للحرس الثوري، حيث تم تعليق كافة أشكال الاتصالات الإلكترونية، والتواصل يتم فقط عبر وسيط موثوق. وفي خطوة غير مسبوقة، اقترح المرشد ثلاثة بدلاء محتملين، وكلف مجلس الخبراء بتفعيل آليات الخلافة في حال مقتله أو عجزه، وقد بدأت لجنة لاختيار خليفة خامنئي أعمالها قبل عامين، لكنها كثّفت جهودها مؤخرًا مع تصاعد التهديدات.
أزمة النظام
تتجاوز معضلة إيران مجرد سلامة خامنئي، إذ أن غيابه يعني الكثير للنظام بأسره، ومع احتدام الحرب وتراجع النفوذ الإقليمي، تخشى طهران انهيارًا مؤسسيًا في حال حدوث فراغ في القيادة، خاصة بعد اغتيال قادة كبار في “حزب الله”، وسقوط نظام الأسد في سوريا، وتدمير منشآت نووية داخل العمق الإيراني. يرى المحللون أن ما كان يُعتبر “محظورًا سياسيًا” أصبح ضرورة استراتيجية، إذ لم تعد الخلافة مؤجلة، بل باتت جزءًا أساسيًا من الحسابات الأمنية والعسكرية.
المتقدّمون والمرشحون: بين الوراثة والشرعية الثورية
مجتبى خامنئي
مجتبى خامنئي
يُعتبر نجل المرشد أحد أبرز الشخصيات غير الرسمية في إيران، ويُنظر إليه كخليفة محتمل بفضل قربه من مراكز القوة ودعمه من الحرس الثوري، لكنه يواجه رفضًا داخليًا، حتى من والده، بسبب مخاوف من تحويل المنصب إلى ملكية وراثية.
حسن الخميني
حسن الخميني
يُعتبر حفيد مؤسس الثورة ويحظى بقبول شعبي ودولي واسع، خاصة بين الإصلاحيين، ورغم منعه من الترشح لمجلس الخبراء سابقًا، فإن ظهوره الأخير كمؤيد للقيادة قد يكون تمهيدًا لدور سياسي أكبر.
علي رضا أعرافي
مواضيع مشابهة: «لوفتهانزا» تواصل تعليق رحلاتها إلى تل أبيب حتى 22 يونيو
علي رضا أعرافي
يترأس مجلس الخبراء الحالي، ويُعتبر رجل دين براغماتي، حيث يُطرح اسمه كمرشح توافقي يمكن أن يُرضي عددًا من الأجنحة داخل النظام. محمد مهدي مير باقري.
محمد مهدي مير باقري
يُعتبر منظّرًا ثوريًا ووجهًا مألوفًا للتيار المحافظ المتشدد، ويتمتع بصلات عميقة مع الحرس الثوري، لكنه يفتقر للدعم الشعبي الواسع. يُشير مراقبون إلى تصاعد النقاش الداخلي حول تعديل بنية القيادة الإيرانية من “قائد أوحد” إلى “مجلس قيادة”، بهدف توزيع السلطة وتفادي أزمات مستقبلية، في حين يرى المحافظون أن القيادة الموحدة أكثر فعالية في الأزمات، بينما يدفع التيار الإصلاحي باتجاه نماذج مؤسساتية تضمن الشفافية والتوازن.
أمن داخلي منهار.. والخوف من الجواسيس
مع تصاعد التوتر، أعلنت وزارة الاستخبارات الإيرانية عن بروتوكولات أمنية صارمة، دعت فيها المسؤولين للتخلي عن الهواتف المحمولة، وطالبت الشعب بالإبلاغ عن التحركات المشبوهة، وقد تزايدت التقارير عن اختراقات أمنية إسرائيلية ساعدت على اغتيال قيادات عسكرية وعلماء. تعيد حالة الذعر التي تعيشها أجهزة الأمن إلى الأذهان عملية “البيجر”، حين اخترقت إسرائيل “حزب الله” عبر أجهزة اتصالات مزروعة، اليوم تُخشى تكرار السيناريو مع أعلى رموز الحكم في إيران.
أسباب تعجيل الخلافة: “الجدول الزمني المزدوج”
يُقسم المحللون دوافع خامنئي لتسريع الخلافة إلى بُعدين، الأول قصير الأجل، الذي يتمثل في الحرب الراهنة، واغتيالات القادة، واحتمالات استهداف خامنئي، وصولاً إلى تصريحات ترامب التي قال فيها: “نعرف مكانه تمامًا.. إنه هدف سهل، لكننا لن نقتله، على الأقل الآن”، بينما الثاني طويل الأجل، يتعلق بصحته المتدهورة، وبلوغ سن متقدمة، ما يجعل فكرة استمرار القيادة الفردية غير قابلة للاستمرار دون إعادة تنظيم مؤسساتي.
خاتمة: خلافة محفوفة بالمخاطر في زمن متفجر
بينما تتحصن القيادة الإيرانية في الملاجئ، وتُعيد تشكيل هيكل السلطة على وقع القنابل والاغتيالات، تبدو الخلافة القادمة ليست مجرد انتقال في القيادة، بل اختبارًا حقيقيًا لبقاء النظام الإيراني نفسه، بين الإصلاح والانغلاق، وبين الوراثة والمؤسسية، يُصاغ مستقبل الجمهورية الإسلامية في أدق لحظاته منذ عام 1979.