لطالما اعتبرت إسرائيل منظومتها الدفاعية متعددة الطبقات، التي تضم القبة الحديدية، ومقلاع داوود، ونظام آرو، إضافة إلى نظام ثاد الأمريكي، بتمويل مشترك مع واشنطن، فخرًا لها، ولكنها مؤخرًا واجهت فجوة أمنية واضحة حين تمكنت إيران من إطلاق موجة ضخمة من الصواريخ والطائرات المسيرة نحو تل أبيب، مما أدى إلى سقوط العديد منها، تاركة وراءها قتلى وجرحى وأضرار مادية كبيرة.

ممكن يعجبك: حزب الله يؤكد سلامة المنشآت النووية الإيرانية بناءً على الأدلة المتوفرة
القبة الحديدية
القبة الحديدية:
تتمثل مهمتها الأساسية في التصدي للصواريخ قصيرة المدى والطائرات المسيّرة، حيث تعتمد على رادارات متطورة تقوم بتقييم الأهداف وتوجيه القاذفات لإسقاطها قبل وصولها، ورغم تصدي النظام لبعض القذائف، إلا أن عشرات الصواريخ اخترقت سماء تل أبيب، مما يثير التساؤلات حول قدرة النظام على مواجهة الضربات وضعف التنسيق بين الكشف والتشغيل.
“مقلاع داوود”
“مقلاع داوود”:
يُعتبر “مقلاع داوود” (David’s Sling) المعروف أيضًا بـ”العصا السحرية”، أحد الركائز الأساسية لمنظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي، حيث تم تطويره لمواجهة التهديدات متوسطة المدى، التي تتراوح بين 70 إلى 300 كيلومتر، مثل صواريخ “فاتح 110” الإيرانية والصواريخ السورية من عيار 302 ملم، ورغم دقته العالية وقدراته المتقدمة في اعتراض الصواريخ ذات الرؤوس الحربية الثقيلة، إلا أن التجربة العملية أظهرت هشاشة أدائه أمام الهجمات المعقدة التي نفذتها إيران مؤخرًا، حيث فشل في التصدي الكامل للموجات المتزامنة من الصواريخ الدقيقة التي استهدفت العمق الإسرائيلي، مما يعكس محدودية قدرته على التعامل مع الأهداف في “الزمن الحقيقي”، حيث يتطلب الأمر تحليلًا سريعًا ومعالجة تكتيكية آنية قد تتعثر في حالة التعرض لوابل من الصواريخ المتعددة في وقت قصير، كما أظهرت التجربة صعوبة اعتراض الرؤوس الحربية التي تتحرك بسرعات عالية أو تلك المزودة بمناورات مراوغة متقدمة، ما جعل “مقلاع داوود” يقف بين مطرقة التصعيد الإقليمي وسندان العجز التقني في مواجهة خصم يعتمد على تكتيكات هجومية ذكية، ورغم تاريخه المشرف في التجارب المعملية، إلا أن الميدان كشف أن “العصا السحرية” قد لا تكون دائماً سحرية في أوقات الخطر.
نظام “آرو”
نظام “آرو”
يمثل نظام “آرو” (بنسختيه آرو 2 وآرو 3) حجر الزاوية في الدرع الصاروخي الإسرائيلي، حيث صُمم ليكون الحاجز الأخير أمام التهديدات الباليستية بعيدة المدى عبر تدمير الصواريخ في مرحلة تحليقها خارج الغلاف الجوي، وقد تم تطوير هذا النظام بشراكة استراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة منذ التسعينيات، ويتألف من شبكة قيادة وتحكم معقدة تشمل رادارات إنذار مبكر ومنظومات تتبع متزامنة وصواريخ اعتراضية مخصصة للتصدي للتهديدات ذات القدرة التدميرية العالية مثل صواريخ “شهاب” و”قيام” الإيرانية، ورغم هالته التقنية المتقدمة، كشفت التجربة الواقعية أثناء الهجمات الإيرانية الأخيرة عن نقاط ضعف مقلقة، حيث أظهر النظام تأخراً في التفاعل مع بعض الأهداف، لا سيما تلك التي انطلقت على شكل أسراب مركبة، مما أربك قدراته الحسابية والتنظيمية، وأدى إلى تسرب بعض الرؤوس الحربية إلى العمق الإسرائيلي، وفي حين يُفترض أن تكون سرعة الصاروخ الاعتراضي، وخاصة “آرو 3″، كفيلة بإسقاط التهديد قبل الاقتراب من حدود الأمان، إلا أن العمليات الحية بيّنت خللاً في التنبؤ بمسار الصواريخ المتقدمة متعددة الرأس أو القادرة على المناورة، والأسوأ من ذلك أن هذه الفجوة لم تكن فقط تقنية، بل كشفت عن إخفاق في الحفاظ على توازن الردع الاستراتيجي، حيث إن عدم قدرة “آرو” على التعامل بكفاءة مع سيناريو تشبع ناري مكثف، عرّض إسرائيل لفقدان ثقة داخلية وخارجية في أسطورة تفوقها الدفاعي.
نظام “ثاد”
مقال مقترح: حاملة الطائرات الأمريكية نيميتز تتجه من بحر الصين الجنوبي إلى الشرق الأوسط
نظام “ثاد”: العملاق الأمريكي الذي تكلّف كثيرًا وأصاب قليلاً
يُعتبر نظام “ثاد” (THAAD – Terminal High Altitude Area Defense) من أكثر منظومات الدفاع الصاروخي تطوراً في الترسانة الأمريكية، وقد نُشر في إسرائيل كجزء من الدعم الدفاعي الاستراتيجي لمواجهة تهديدات الصواريخ الباليستية الإيرانية بعيدة المدى، حيث يعتمد “ثاد” على مبدأ الاعتراض الحركي، أي تدمير الهدف المعادي بصاروخ لا يحمل رأساً حربياً، بل يعتمد على السرعة الفائقة والطاقة الحركية للارتطام المباشر بالصاروخ المهاجم، مما يضمن تفجيره في مرحلة عليا من طيرانه، غير أن هذه التقنية، رغم دقتها النظرية، أثبتت قصوراً في الواقع الميداني، ففي الهجمات الإيرانية الأخيرة، لم يتمكن “ثاد” من التصدي الكامل للموجات المتزامنة من الصواريخ الدقيقة، حيث بدا واضحًا أن النظام يعاني من بطء في إعادة التهيئة بين الضربات، مما جعل كفاءته في الاعتراض المتتالي محدودة مقارنة بحجم التهديدات، بالإضافة إلى ذلك، تبرز المشكلة الكبرى في تكلفته التشغيلية الباهظة، حيث تتجاوز قيمة بطارية واحدة من “ثاد” مليار دولار، وتحتاج إلى أكثر من 100 فرد لتشغيلها، مما يجعله نظاماً عالي الاعتماد على البنية البشرية والتقنية المعقدة، وهو أمر لا يتلاءم مع بيئة اشتباك تتطلب ردود فعل سريعة ومرونة تشغيلية، وقد كشفت هذه التجربة أن “ثاد”، رغم تفوقه النظري، لا يزال نظاماً منفصلاً عن دينامية المواجهة متعددة الطبقات، وغير قادر وحده على امتصاص الضربات الإيرانية المركبة التي جمعت بين صواريخ باليستية وطائرات مسيرة منخفضة الارتفاع، باختصار، فإن “ثاد” بدا في هذه الجولة كدرع ثمين ولكنه ثقيل الحركة، ينهكه الاستنزاف، مما يكشف عن فجوة استراتيجية في التوازن الدفاعي الإسرائيلي – الأمريكي أمام حرب الصواريخ الذكية.
الصواريخ الإيرانية تكشف هشاشة النظام الدفاعي الإسرائيلي
إن هذه الهجمات الإيرانية لم تعد مجرد “اختبار تكتيكي” مؤقت، بل أصبحت كاشفة عن هشاشة النظام الدفاعي رغم تفوقه التقني على الورق، واختراق الدفاعات متعددة الطبقات يفرض على إسرائيل:
- إعادة هيكلة كاملة للدرع المتعدد لتوفير مرونة فائقة في التكامل
- استثمار فوري في قدرات دفاعية أوسع نطاقًا وأقل تكلفة وخلايا ميدانية متجانسة
مقال مقترح: آلاف الرؤوس الحربية ومدن صواريخ سرية تحت الأرض تشكل كابوسًا مجهولًا لتل أبيب