رغم التطورات التقنية والإنتاجية الكبيرة التي شهدتها السينما والدراما في مصر خلال السنوات الأخيرة، إلا أن هناك أزمة تبرز بقوة على الساحة، وهي أزمة السيناريو، حيث يرى العديد من النقاد وصنّاع الفن أن الأعمال تفتقر إلى العمق، وأن الكثير من النصوص تُكتب بسرعة، وتُنتج لأسباب تجارية بحتة دون الاهتمام بالمضمون أو التأثير.

ممكن يعجبك: كاظم الساهر يحيي حفلاً غنائياً في عمان بتاريخ 14 أغسطس
السيناريوهات الجيدة متاحة
بينما يُرجح البعض أن هذه الأزمة تعود إلى قلة الكُتّاب الموهوبين أو ضعف الخيال الدرامي، ترى الناقدة السينمائية ماجدة موريس أن الحقيقة مختلفة تمامًا، حيث قدمت رؤية مغايرة وعميقة في حديثها لـ موقع نيوز رووم، تؤكد فيه أن السيناريوهات الجيدة موجودة، لكن المشكلة تكمن في الاختيارات والمسؤولية الفنية لدى من يقررون تنفيذ هذه النصوص.
ماجدة موريس: “ليست أزمة كتابة بل أزمة اختيار”
قالت ماجدة موريس في حديثها لـ نيوز رووم: “طوال الوقت هناك أزمة في السيناريوهات، ولكن المشكلة الحقيقية ليست في وجود الأزمة بحد ذاتها، بل في قبول العاملين في المجال الفني للعمل ضمن هذه الأزمة، مع علمهم بوجودها.” وأضافت أن الكثيرين يوافقون على تقديم أعمال بنصوص ضعيفة، دون أن يُظهروا اعتراضًا حقيقيًا، مما يؤدي إلى إنتاج أعمال لا ترقى لمستوى التوقعات.
مقال مقترح: البلوجر كيرو فوزي يتحدث عن انتقال زيزو ويقول: «نكدتوا علينا أول يوم عيد»
وشددت ماجدة موريس في حديثها على أن الفنان يجب أن يتحلى بالمسؤولية في انتقاء أعماله، تمامًا كما ينتقي الصحفي موضوعاته ويقرأ عنها جيدًا قبل الكتابة، حيث قالت: “إذا لم يكن السيناريو جيدًا أو قويًا، وكان الجمهور لا يفهم ما يُقدّم، فلماذا أوافق على العمل؟ هذه هي الأزمة الحقيقية.” واختتمت حديثها برسالة واضحة: “إذا لم تشعر أن العمل جيد ويليق بك، فلا تشتغل. هذه مسؤوليتك كفنان.”
ماجدة خيرالله: “السوق لا يتحمّل الجدية… والأفلام الكوميدية تسيطر”
من جانبها، قدّمت الناقدة ه في تصريحات خاصة لـ موقع خبر صحطرحًا مختلفًا من زاوية السوق ومتغيرات الجمهور، حيث أوضحت أن المنتجين يلجئون للأفلام الكوميدية لأنها ببساطة الأكثر طلبًا والأكثر قدرة على تحقيق أرباح.
وقالت ماجدة خيرالله: “المنتجين بيعملوا الأفلام الكوميدية لأن السوق لا يحتمل أفلام جادة، والجمهور اللي بيروح السينما دلوقتي هو جمهور الشباب والمراهقين، وده جمهور مش مهتم بالقضايا زي زمان، لما الناس كانت بتروح تشوف أفلام فيها سيناريوهات قوية وبتعالج موضوعات مهمة.”
وترى ماجدة خيرالله أن تغير تركيبة الجمهور هو سبب رئيسي في انحدار مستوى السيناريوهات، حيث أصبح الجمهور الناضج أقل حضورًا في دور العرض، بسبب ارتفاع أسعار التذاكر وضيق الأوضاع الاقتصادية، مضيفة: “الجمهور ده تآكل جدًا، لأن سعر التذكرة غالي وفلوسهم على قدهم، فبقوا يستنوا الأفلام على المنصات أو التليفزيون.” أما من يحضرون السينما اليوم، بحسب رأيها، فهم: “مراهقين بياخدوا مصروفهم، مش فارق معاهم تمن التذكرة، وعايزين يشوفوا فيلم يضحكهم وخلاص.”
رسالة الفن… هل هي ضرورية؟
تطرقت ماجدة خيرالله في حديثها لـ موقع خبر صحأيضًا لفكرة “الرسالة” في العمل الفني، وأبدت تحفظها على إلزام الفن بتقديم رسالة، حيث قالت: “الأفلام مش المفروض تكون فيها رسالة بالضرورة، لكن المفروض تكون ممتعة وفيها قصة، حتى أفلام نجيب الريحاني وإسماعيل ياسين كانت من غير رسالة، لكنها كانت أفلام ظريفة ومضحكة بجد.”
وأكدت أن الجماليات السينمائية حتى في الأفلام الخفيفة لم تعد موجودة كما كانت، مشيرة إلى أن هناك نوعًا من الاستسهال في الصناعة حاليًا، وسعيًا لتحقيق أرباح سريعة دون الاهتمام بالمحتوى أو الجودة الفنية، واختتمت حديثها لـ موقع خبر صحبقلق واضح: “حتى جيل الفنانين اللي بجد بدأ يتآكل، وبيظهر جيل تاني… أتمنى يكون فاهم هو بيختار إيه.”
في النهاية، يتضح من حديث الناقدتين أن أزمة السيناريو في مصر ليست أزمة تأليف فقط، بل أزمة منظومة كاملة تتداخل فيها اعتبارات السوق، وتركيبة الجمهور، ومسؤولية الفنانين والمنتجين على حد سواء، وبين من يرى أن هناك نصوصًا جيدة لا يُحسن استخدامها، ومن يعتقد أن السوق لم يعد يحتمل النصوص القوية أصلًا، يبقى الحل في إعادة التوازن بين ما هو مطلوب تجاريًا وما هو مطلوب فنيًا، وبين متعة الجمهور ومسئوليته.