حرب الجاسوسية بين إسرائيل وإيران ومن الذي اخترق الآخر؟

ليست كل الحروب تُخاض بالمدافع والدبابات، ففي مكان بعيد عن صخب الجبهات، تخوض إيران وإسرائيل صراعًا آخر لا يُرى ولا يُسمع، لكنه لا يقل ضراوة، إنها حرب الجواسيس، التي تدور في كواليس العواصم، وعلى أجهزة الحاسوب، وفي لقاءات سرية تحت ستار الثقافة أو السياسة، وفي هذا الميدان، لا تُقاس الانتصارات بعدد الضحايا، بل بكم المعلومات التي تُسرق، والثغرات التي تُكتشف.

حرب الجاسوسية بين إسرائيل وإيران ومن الذي اخترق الآخر؟
حرب الجاسوسية بين إسرائيل وإيران ومن الذي اخترق الآخر؟

الموساد في العمق الإيراني

خلال الأشهر الماضية، أعلنت السلطات الإيرانية عن تفكيك عدد من شبكات التجسس التابعة للموساد، في عمليات أمنية وُصفت بالناجحة والحاسمة.

وأبرز تلك القضايا تمثلت في القبض على ثلاثة إيرانيين، هم إدريس علي، عازاد شجاعي، ورسول أحمد رسول، الذين اتُهموا بجمع معلومات عسكرية ونووية لصالح إسرائيل.

وكشفت التحقيقات عن حيازة المتهمين لوسائط تخزين مشفّرة تحتوي على صور أقمار صناعية لمواقع حساسة، مثل منشأة نطنز النووية، إلى جانب بيانات عن ضباط في الحرس الثوري.

وأظهرت وسائل الإعلام الرسمية ما قالت إنها “اعترافات مصوّرة”، زُعم فيها أن المتهمين تلقّوا أموالًا مقابل تسليم المعلومات خلال لقاءات في أربيل شمال العراق.

ورغم تشكيك منظمات حقوقية دولية في نزاهة المحاكمات، أُعدم الثلاثة بعد محاكمة سريعة، مما أثار انتقادات واسعة حول غياب الضمانات القانونية، واحتمال انتزاع الاعترافات بالإكراه.

الجاسوسة المقنعة.. كاثرين بيريز شكدام

من بين أكثر القصص إثارة في هذا السياق، برز اسم كاثرين بيريز شكدام، الباحثة الفرنسية الإسرائيلية التي دخلت إيران بصفة أكاديمية، وتمكّنت من التسلل إلى مؤسسات رسمية ومنابر دينية وثقافية داخل النظام الإيراني.

وقالت تقارير إعلامية إنها التقت نحو 190 شخصية من المسؤولين، واستطاعت عبر تلك اللقاءات جمع معلومات دقيقة، قبل أن تغادر إيران وتفصح لاحقًا عن مهمتها الاستخباراتية.

وشكّلت شكدام نموذجًا جديدًا للجاسوسية الحديثة، لا سلاح، ولا تكنولوجيا متقدمة، بل علاقات إنسانية، وخطاب ناعم، وأقنعة فكرية.

طهران ترد من الداخل الإسرائيلي

لكن إيران ليست فقط في موقع الدفاع، فقد أعلنت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عن تفكيك خلايا قالت إنها تعمل لصالح طهران، وأشهرها قضية “شارون باناسي”، الذي اتُّهم بتلقي تعليمات من الاستخبارات الإيرانية لتنفيذ عمليات اغتيال.

ولعل أخطر القضايا جاءت مع الوزير الإسرائيلي السابق جونين سيجيف، الذي كُشف عن تعاونه مع الحرس الثوري الإيراني خلال زياراته إلى نيجيريا، وسيجيف أقرّ بذنبه، وحُكم عليه بالسجن 11 عامًا، في واحدة من أكثر قضايا التجسس وقعًا في تاريخ إسرائيل.

عدالة أم رسائل دموية؟

بينما تلجأ إسرائيل إلى سجن عملاء إيران لفترات طويلة، وتحرص على كشف القضايا إعلاميًا، تختار طهران طريقًا آخر: الإعدامات السريعة، والمحاكم الثورية

وفي حادثة مروّعة وغير مؤكدة رسميًا، تحدّثت تقارير عن إعدام جاسوس يُدعى إسماعيل فكري، ثم ربط جثمانه بصاروخ أُطلق نحو إسرائيل في صباح 17 يونيو كرسالة واضحة بأن المعركة ليست فقط في الخفاء.

في كل هذه المواجهات، تغيب مفاهيم العدالة التقليدية، وتحضر الحرب النفسية والسياسية بكل وضوح، فكل جاسوس يُعتقل أو يُعدم، يتحوّل إلى ورقة في معركة إعلامية، تهدف إلى الردع أكثر من تحقيق العدالة.

حرب إيران وإسرائيل، من يسبق الآخر؟

في لعبة الجواسيس، لا يوجد خط فاصل بين الهجوم والدفاع، فكل طرف يتسلل، ويتجسس، ويتظاهر بالهدوء بينما يبني شبكات وأذرع في قلب الآخر، وبين طهران وتل أبيب، يبدو أن الحرب الحقيقية لا تُخاض بالسلاح، بل بالمعلومة والكتمان.