“اليورانيوم” ودوره في رحلة الوقود النووي من التعدين إلى التخصيب

عاد اليورانيوم للواجهة مجددًا في ظل تساؤلات تتعلق بمصير 400 كيلوغرام تملكها طهران، لكن هذه الحيرة الحالية تضاف إلى تاريخ طويل من الغموض الذي يحيط بهذا العنصر الحيوي.

“اليورانيوم” ودوره في رحلة الوقود النووي من التعدين إلى التخصيب
“اليورانيوم” ودوره في رحلة الوقود النووي من التعدين إلى التخصيب

يُعتبر اليورانيوم حجر الأساس لأي برنامج نووي، حيث لم يكن أحد يعلم في البداية أهميته العسكرية، حتى حدثت نقطة تحول رئيسية عندما عمل النظام النازي على الانشطار في سبيل تطوير القنبلة النووية، قبل أن تدخل الولايات المتحدة الساحة بقوة.

ما هو اليورانيوم؟

اليورانيوم هو عنصر مشع طبيعي، عدده الذري 92، ويُرمز له بـ U في الجدول الدوري، ويُصنف ضمن مجموعة خاصة من العناصر تُسمى “الأكتينيدات”، التي تم اكتشافها في فترة متأخرة نسبيًا من التاريخ.

مثل جميع الأكتينيدات الأخرى، يُعد اليورانيوم عنصرًا مشعًا.

وفقًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يتمتع اليورانيوم بخصائص فريدة تجعله المصدر الرئيسي للوقود في المفاعلات النووية، حيث يمكن لكمية بحجم بيضة دجاجة أن تُنتج ما يعادل 88 طنًا من الفحم من الكهرباء.

ويُعتبر اليورانيوم من أكثر العناصر انتشارًا في قشرة الأرض، فهو يتواجد بكميات أكبر من الذهب بحوالي 500 مرة.

توجد كميات صغيرة منه في كل مكان، بدءًا من الصخور والتربة، وصولًا إلى المياه وحتى أجسادنا.

كما توجد كميات كبيرة من اليورانيوم المخفف في المحيط، تُقدّر بحوالي 4 مليارات طن.

تاريخ اكتشاف اليورانيوم

كان الكيميائي الألماني مارتن هاينريش كلابروث هو أول من اكتشف اليورانيوم عام 1789 أثناء فحصه لقطعة من البتشبلند، وهو خام معدني نشط إشعاعيًا من منجم الفضة يواخيمستال في بوهيميا.

على مدار أكثر من مائة عام بعد اكتشافه، كان يُستخدم اليورانيوم كمعدن لتلوين السيراميك والزجاج، حتى اكتشف العالم الفرنسي هنري بيكريل النشاط الإشعاعي له عام 1896، عندما نجح في كشف ألواح فوتوغرافية عن طريق تركها بجوار مركبات تحتوي على اليورانيوم.

في عام 1899، طورت ماري وبيير كوري عمله، ونجحا في استخراج الراديوم، وهو ناتج عن تحلل اليورانيوم، من البتشبلند، حيث أتاح النشاط الإشعاعي المكثف للراديوم تطبيقات طبية محتملة، مما شكل انطلاقة جديدة لليورانيوم.

توالت الاكتشافات مع تحقيق أول انشطار نووي في المختبر على يد الفيزيائيين الألمان أوتو هان وفريتز ستراسمان عام 1938، ليبدأ في العام التالي أول برنامج نووي ألماني، الذي توقّف مؤقتًا مع اندلاع الحرب العالمية الثانية.

تشير بعض التقارير إلى أن النظام النازي بقيادة أدولف هتلر كان قادرًا على إنتاج أول سلاح نووي، مما أثار قلق الحلفاء، ودفع الولايات المتحدة للتحرك بسرعة في مجال تخصيب اليورانيوم.

تسلسلًا للأحداث، وقع أول تفاعل تسلسلي متحكم فيه لأول مرة في ولاية شيكاغو الأمريكية عام 1942، تلاه “مشروع مانهاتن” الذي أسسته الولايات المتحدة لتطوير الأسلحة النووية برئاسة روبرت أوبنهايمر، والذي انتهى بإنتاج أول قنبلة نووية استخدمتها واشنطن في هيروشيما ونجازاكي في اليابان عام 1945.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأ العلماء في استكشاف الاستخدامات غير العسكرية المحتملة لليورانيوم.

تخصيب اليورانيوم

يتواجد اليورانيوم في أشكال متعددة تختلف في الكتلة والخصائص الفيزيائية، لكنها تشترك في الخصائص الكيميائية نفسها، وتُسمى “النظائر”.

هناك 3 نظائر طبيعية لليورانيوم هي “اليورانيوم-234″ و”اليورانيوم-235” و”اليورانيوم-238″، حيث يُعتبر الأخير الأكثر شيوعًا، مُمثلًا حوالي 99% من اليورانيوم الطبيعي الموجود على الأرض.

تستخدم معظم المفاعلات النووية اليورانيوم-235، لكن اليورانيوم الطبيعي يحتوي عادةً على 0.72% فقط من اليورانيوم-235، لذا تتم زيادة التركيز بشكل مصطنع من 0.72% إلى 94% من خلال عملية تُسمى “التخصيب”.

يُعتبر اليورانيوم منخفض التخصيب إذا كانت نسبة اليورانيوم-235 فيه أقل من 20%، ويمكن تخزينه بأمان لعدة سنوات.

تستخدم معظم المفاعلات التجارية يورانيوم بنسبة أقل من 5% كوقود، والذي يُطلق عليه “اليورانيوم المُستخدم في المفاعلات”.

إذا تم تخصيب اليورانيوم لأكثر من 20%، يُعتبر عالي التخصيب ويُستخدم في مفاعلات الدفع البحرية مثل الغواصات والأسلحة النووية، وبعض مفاعلات الأبحاث.

كيف يُحفظ اليورانيوم المُخصب؟

بعد عملية التخصيب، يتحول اليورانيوم إلى مادة صلبة تشبه التراب البني، تُخزن هذه المادة داخل كبسولات معدنية محكمة الإغلاق.

تُصنع العبوات المعدنية من مواد مقاومة للتآكل والتسرب الإشعاعي، وتُحفظ في ظروف ذات درجة حرارة منخفضة ورطوبة قليلة للحفاظ على استقرارها.

تكون الكبسولات صغيرة نسبيًا وسهلة النقل، مما يجعل من الممكن إخفاؤها أو نقلها بسرية بعيدًا عن أعين الرقابة الدولية.

استخراج اليورانيوم

يستخرج اليورانيوم في القرن الحادي والعشرين بطريقة “الاستخلاص في الموقع”، وهي الأكثر شيوعًا، ففي عام 2020 تم استخراج حوالي 58% من اليورانيوم عالميًا بهذه الطريقة، التي تعتمد على تمرير الماء وعناصر أخرى لإذابة اليورانيوم مباشرة من الرواسب، ثم استخراجه من باطن الأرض لتكريره وإنتاج أكسيد اليورانيوم أو “الكعكة الصفراء”، الذي يُستخدم في تخصيب اليورانيوم.

دورة الوقود النووي

تُسمى العملية التدريجية لاستخراج اليورانيوم، وتحويله إلى وقود نووي، وتعريض الوقود للإشعاع في محطة طاقة نووية، والتخلص من النفايات الناتجة، دورة الوقود النووي.

يمر اليورانيوم بحالاته الصلبة والسائلة والغازية في طريقه للوصول إلى الوقود النووي، حيث يُذاب الخام الصلب في سائل، ثم يُستخرج، ويُحوّل إلى مادة صلبة على شكل كعكة صفراء، ثم يُحوّل إلى غاز سادس فلوريد اليورانيوم، ثم يتم طرده وتخصيبه، ثم يُعالج إلى ثاني أكسيد اليورانيوم، الذي يُشكل كريات اليورانيوم التي تُعتبر أساس الوقود النووي لمحطات الطاقة النووية.