بينما يستعد ملايين الأقباط للاحتفال بمولد السيدة العذراء مريم في أغسطس المقبل، تعود ظاهرة الموالد في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية إلى الواجهة، حيث تتجاوز هذه المناسبات كونها طقوسًا كنسية لتتحول إلى تقليد شعبي عميق في وجدان الأقباط المصريين.

اقرأ كمان: ممدوح حمزة يوضح أن ما حدث في العراق يتكرر تماماً مع إيران والعدو واحد
مولد العذراء مريم.. أم النور وسيدة البركة
يُعتبر مولد العذراء مريم الأكبر والأكثر شهرة بين الموالد في الكنيسة، حيث يبدأ في 1 أغسطس من كل عام ويستمر حتى 15 أغسطس، ليُختتم بعيد صعود جسد العذراء إلى السماء، وفقًا للإيمان المسيحي.
تتعدد مواقع الاحتفال بالمولد، لكن أبرزها دير درنكة بأسيوط، ودير السيدة العذراء بجبل الطير في المنيا، ودير المحرق في القوصية، حيث يزور هذه الأديرة مئات الآلاف من الأقباط في أجواء من الصلاة والابتهال والفرح الروحي، يصحبها طابع شعبي يتجلى في الأسواق والمأكولات والخيام، بالإضافة إلى الأنشطة الثقافية والدينية.
مار جرجس.. الفارس الشجاع ومحبوب الجماهير
من الموالد الكبرى في الكنيسة القبطية، يأتي مولد الشهيد مار جرجس الروماني، أشهر قديس في الديانة المسيحية، حيث تُقام له احتفالات كبرى مرتين سنويًا: الأولى في شهر أبريل بمناسبة عيد استشهاده، والثانية في نوفمبر بمناسبة تدشين كنيسته
ومن أبرز أماكن الاحتفال: دير مار جرجس بالرزيقات في الأقصر، والذي يُعتبر من أكبر الموالد بعد مولد العذراء، وكنيسة مار جرجس بميت دمسيس بالدقهلية، التي تستقبل آلاف الزوار في مشهد مهيب يمتد لأيام، ودير مار جرجس في مصر القديمة، الذي يحمل طابعًا أثريًا وروحيًا خاصًا
أبو سيفين والأنبا شنودة والأنبا برسوم.. قديسون تجمع حولهم القلوب.
يحتفل الأقباط أيضًا بعدد من الموالد لقديسين آخرين، مثل الأنبا برسوم العريان، الذي يُقام له مولد شهير في ديره بمنطقة المعصرة، ويُعتبر من الموالد العريقة في القاهرة، والأنبا شنودة رئيس المتوحدين، أحد أعمدة الرهبنة القبطية، حيث يُحتفل بمولده في دير الأنبا شنودة بسوهاج، بالإضافة إلى الشهيد فيلوباتير مرقوريوس (أبو سيفين)، الذي تُقام له احتفالات كبرى في ديره بمصر القديمة وفي عدة كنائس أخرى، وتُمثل هذه الموالد فرصًا روحية ووجدانية يحرص الأقباط على المشاركة فيها بكل حب.
ما بين الزياحة والقداسات.. طقوس متكررة بروح متجددة
تشترك معظم الموالد في طقوس محددة، مثل الزياحة، التي تتضمن تطوافًا بالأيقونات أو رفات القديس وسط التراتيل والتماجيد، والقداسات اليومية، وصلوات التوبة والاعتراف، وعشية التسبحة، التي تُقام مساءً وتستمر حتى الفجر أحيانًا، لكن ما يميز كل مولد هو روح المكان، وتاريخ القديس، وتفاعل الشعب مع المناسبة.
مواضيع مشابهة: 198 ألف طالب يواصلون امتحانات الترم الثاني في جامعة حلوان
البُعد الاجتماعي والثقافي للموالد.
وذكر الأب دوماديوس كاهن كنيسة مارجرجس بأسوان في تصريحات خاصة أنه لا تقتصر أهمية الموالد على الجانب الروحي فقط، بل تمتد لتشمل أبعادًا اجتماعية وثقافية، حيث تُعتبر فرصًا للتلاقي ولمّ الشمل بين العائلات، خصوصًا في الوجه القبلي، كما تُعد مناسبات اقتصادية موسمية، حيث تنتعش حركة البيع والشراء حول الكنائس والأديرة، وتعزز الهوية القبطية في مواجهة مظاهر التغريب أو العزلة، وتحرص الكنيسة على تنظيم هذه الاحتفالات بدقة، من خلال تنسيق مسبق مع الجهات الأمنية، وتحديد مواعيد الزيارات، وتوفير خدمات للزوار.
موالد الكنيسة.. بين التراث والتجديد
رغم أن بعض الأصوات تنادي بتقليل الطابع الشعبي للموالد، أو فصلها عن الممارسات الدينية، إلا أن الكنيسة الأرثوذكسية تعتبر هذه الموالد جزءًا أصيلًا من تراثها، وهي لا تزال ترى فيها وسيلة فعالة لنقل الإيمان، وتعليم الأجيال الجديدة عن القديسين، وتقوية الارتباط بالكنيسة، كما تعمل بعض الإيبارشيات مؤخرًا على إدخال عناصر تنظيمية حديثة، مثل التوعية البيئية، وتنظيم الخيام، وتخصيص مسارات للنساء والرجال، فضلًا عن استخدام التكنولوجيا في بث الصلوات مباشرة على الإنترنت، خصوصًا منذ جائحة كورونا.
كلمة أخيرة.. الموالد جزء من نبض الكنيسة
في كل مولد كنسي، لا تُرفع فقط صلوات وابتهالات، بل تُكتب قصة جديدة من قصص الإيمان، والبساطة، والتقوى الشعبية، وتبقى الموالد مناسبة فريدة يعيش فيها القبطي فرحة السماء على الأرض، ويتواصل فيها التراث مع الحاضر في سيمفونية من الروح والمحبة والانتماء.