في خطوة تعكس التحولات الكبيرة في عالم الصحافة الأوروبية، أعلنت صحيفة دي تسايت DIE ZEIT الألمانية العريقة عن دمج نسختها الورقية مع منصتها الرقمية ZEIT ONLINE لتعمل تحت اسم واحد هو “DIE ZEIT”، ويأتي هذا التحول الكبير الذي يبدأ اليوم الخميس، بعد سنوات من العمل بشكل منفصل بين النسختين رغم الارتباط الوثيق بينهما في المحتوى والجمهور.

اقرأ كمان: واشنطن تفكر في تخفيف العقوبات على طهران استعداداً لاتفاق مبدئي
لم يكن قرار الدمج اعتباطيًا، بل استند إلى دراسة شاملة أجرتها الصحيفة شملت المشتركين والقراء والمستخدمين، وكانت الإجابة واضحة، فاسم “دي تسايت” هو الذي يتبادر إلى أذهان الناس عند التفكير في الصحيفة، سواء قرأوها على الورق أو عبر الإنترنت.
بداية النسخة الرقمية من صحيفة دي تسايت
يؤرخ هذا التحول لتاريخين مختلفين تحت سقف واحد، فرغم أن النسخة المطبوعة من DIE ZEIT تأسست قبل أكثر من 75 عامًا، فإن النسخة الرقمية بدأت بشكل متواضع في عام 1996 تحت اسم “ZEIT im Internet”، بميزانية لم تتجاوز عشرين ألف مارك ونصف وظيفة، ورغم البداية المحدودة، تميز الفريق الرقمي بروح تجريبية عالية، حيث كانت أولى تجلياتها إطلاق مسابقة أدبية عبر الإنترنت وبث جلسة التحكيم مباشرة عبر الفيديو، في وقت لم يكن فيه معظم الصحفيين يمتلكون حتى بريدًا إلكترونيًا.
مع مرور الوقت، أصبح فريق التحرير الرقمي بحجم الفريق الورقي نفسه، حيث تصل الصحيفة معًا إلى نحو 20 مليون شخص، معظمهم من القراء الرقميين، ونجحت “دي تسايت” في تنويع أقسامها، حيث أطلقت منصات متخصصة مثل “العمل”، “الرقمية”، “المال”، “الأسرة”، “الصحة”، بالإضافة إلى قسم “التقارير X”، و”ZEIT am Wochenende”، و”ZEITmagazin ONLINE”.
كما حققت نجاحات بارزة على منصات التواصل، مثل مشروع “Hochkant” الذي حقق أكثر من 10 ملايين مشاهدة على TikTok خلال فترة قصيرة، ولم تقتصر الابتكارات على الكتابة الرقمية فقط، بل دخلت الصحيفة بقوة إلى عالم البودكاست منذ عام 2017، حيث تقدم اليوم 30 برنامجاً صوتياً عبر 70 مقدمًا، وبعضها تحول إلى عروض حية أمام آلاف الجماهير مثل بودكاست ZEIT Verbrechen، وبهذا، أصبحت DIE ZEIT أكثر وسيلة إعلامية ألمانية استماعًا على الإطلاق.
مقال له علاقة: تركيا تعرض استضافة قمة تجمع بين ترامب وبوتين وزيلينسكي
لا يهدف هذا الدمج فقط إلى توحيد الهوية التحريرية، بل يعكس فلسفة عميقة تتمثل في إبقاء الحوار المجتمعي مفتوحًا ومتعدد الأصوات، سواء في القسم الورقي “النزاع” أو في المشاريع الرقمية مثل “ألمانيا تتحدث” و”بلدي يتحدث” و”خطة D”، حيث تم جمع آلاف المواطنين من مشارب سياسية متنوعة حول طاولة نقاش مشتركة، مما جعل من “دي تسايت” أكثر من مجرد وسيلة إعلامية، بل منصة لصناعة الحوار العام.
رغم نجاح النسختين كلٌ على حدة، قررت الصحيفة أخيرًا توحيد الجهود على مستوى التحرير والنشر والإنتاج خلال العامين المقبلين، وقد سبق هذا التوجه دمج بعض الأقسام كفريق التحقيقات، وإطلاق مجلة سياسية موحدة حديثًا.
تأتي هذه الخطوة بعد أيام من تحالف مشابه في بلجيكا، حيث اندمجت مجموعتا Groupe Rossel وIPM Group لتعزيز التعاون التحريري وتطوير البنية الرقمية في ظل التحديات الاقتصادية والإعلامية المتزايدة.
دمج الصحف الأوروبية
ما يحدث في الصحف الألمانية والبلجيكية يرسل رسالة واضحة، حيث إن الاندماج في المؤسسات الإعلامية لم يعد خيارًا ترفيهيًا، بل ضرورة وجودية لضمان الاستمرارية وترشيد التكاليف وزيادة الكفاءة ومواكبة التطور الرقمي، إذ يقترب زمن الجزر المعزولة في الصحافة الأوروبية من نهايته، ليبدأ عصر الهوية التحريرية الموحدة والعمل من غرفة أخبار واحدة.