صراع الأخوة الأعداء في ديربي الميرسيسايد القاسي

أنفيلد و جوديسون بارك مسرحان لصراع أبدي يتجاوز حدود الكرة.

صراع الأخوة الأعداء في ديربي الميرسيسايد القاسي
صراع الأخوة الأعداء في ديربي الميرسيسايد القاسي

في قلب مدينة ليفربول، وعلى ضفتي نهر الميرسي، تُولد كل عام نارٌ لا تنطفئ، ويتجدد صراع كروي عمره أكثر من قرن، إنه ديربي المرسيسايد، حيث لا تُقسّم المدينة فقط بين الأحمر والأزرق، بل تتوزع المشاعر والانتماءات داخل العائلة الواحدة، وتتحوّل الشوارع إلى مسارح للتاريخ والشغف والعداوة الرياضية الخالدة، هو أكثر من مجرد مباراة، إنه صراع هوية وثأر كروي يتجاوز النقاط والنتائج، ويختصر في تسعين دقيقة قصة مدينة كاملة لا تعرف الحياد عندما يصطدم ليفربول بإيفرتون.

الديربي الأقدم عالميًا

يعتبر ديربي المرسيسايد بين فريقي ليفربول وإيفرتون أحد أقدم وأكثر الديربيات إثارة في تاريخ كرة القدم الإنجليزية والعالمية، فرغم أن الناديين ينتميان لمدينة واحدة، بل يفصل بين ملعبيهما حوالي كيلومتر واحد فقط، فإن العداء بين جماهيرهما يشعل كل لقاء بينهما، ويمنحه طابعًا خاصًا مليئًا بالتوتر والعاطفة والذكريات.

البداية.. من خلاف إداري إلى عداء رياضي

يعود أصل العداء بين ليفربول وإيفرتون إلى نهاية القرن التاسع عشر، وبالتحديد عام 1892، عندما اندلع خلاف كبير بين إدارة نادي إيفرتون ومالك ملعب “أنفيلد” آنذاك، جون هولدينج، كان التوفيز يلعب في أنفيلد، لكن الخلاف حول الإيجار وإدارة النادي دفعهم إلى مغادرة الملعب والانتقال إلى المعقل التاريخي جوديسون بارك، رفض هولدينج ترك أنفيلد دون نادٍ، واتجه إلى تأسيس نادي جديد حمل اسم ليفربول إف سي، ومن هنا وُلد التنافس، وتحول إلى عداء كروي شديد ترسّخ عبر العقود، لم يكن الأمر فقط رياضيًا، بل كان هناك انقسام داخل المدينة، بين من بقي وفيًا لإيفرتون ومن تبنّى الكيان الجديد “ليفربول”.

مواجهات مثيرة وتاريخ لا يحصى من المنافسة

أول مواجهة رسمية بين الفريقين أقيمت في عام 1894، وفاز إيفرتون بثلاثية بيضاء، ومنذ ذلك الحين، تواجه الفريقان في أكثر من 240 مباراة، ضمن مختلف البطولات، سواء في الدوري الإنجليزي أو الكأس، رغم أن التوفيز كان الفريق الأقدم والأكثر استقرارًا في البداية، فإن الكفة مالت لاحقًا بشكل واضح لصالح الريدز، خاصة منذ فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، حين أصبح ليفربول أحد أنجح الأندية في إنجلترا وأوروبا، لكن ذلك لم يمنع الفريق الأزرق من أن يعيش فترات ذهبية أيضًا، لعل أبرزها في الثمانينيات، عندما توج بالدوري الإنجليزي وكأس الاتحاد الإنجليزي وكأس الكؤوس الأوروبية.

مواقف خالدة في تاريخ ديربي المرسيسايد

شهد ديربي المرسيسايد العديد من اللحظات التاريخية التي لا تُنسى، لعل أبرزها نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي عام 1986، حيث تواجه الفريقان في المباراة النهائية، وتمكن ليفربول من تحقيق الفوز بثلاثة أهداف مقابل هدف، كانت مباراة قوية أكدت العصر الذهبي للغريمين، إذ تنافسا أيضًا على لقب الدوري في نفس الموسم، ديربي الإثارة موسم 1991، واحدة من أكثر مباريات الديربي إثارة وجنونًا، حيث انتهت بالتعادل الإيجابي بأربعة أهداف لكل منهما، في مباراة ضمن كأس الاتحاد الإنجليزي، وشهدت تألق الأسطورة جون بارنز، وكانت سببًا في إقالة المدرب الأسطوري كيني دالغليش بعد فترة قصيرة، ديربي 2019، الهزيمة المذلة لإيفرتون، في ديسمبر من عام 2019، فاز ليفربول على غريمه إيفرتون بخمسة أهداف مقابل هدفين، في معقل الريدز “أنفيلد”، رغم اعتماده تشكيل أغلبه من اللاعبين الشباب والبدلاء، مما زاد من مرارة الهزيمة لأنصار التوفيز، إصابة فيرجيل فان دايك، في أكتوبر من عام 2020، تعرض المدافع الدولي الهولندي فيرجيل فان دايك لإصابة قوية بعد تدخل عنيف من الحارس جوردان بيكفورد، أبعدته عن الملاعب لفترة طويلة، وسبب هذا الحدث توترًا كبيرًا بين الجماهير، وفتح باب الانتقادات حول استخدام تقنية VAR.

الديربي الأكثر طردًا في تاريخ البريميرليج

من المعروف أن ديربي المرسيسايد هو الأكثر خشونة من حيث عدد البطاقات الحمراء في الدوري الإنجليزي الممتاز، فمنذ تأسيس البريميرليج “الدوري الإنجليزي الممتاز بمسماه الحديث” عام 1992، شهد الديربي أكثر من 20 حالة طرد، مما يعكس شدة التنافس والتوتر في أرضية الملعب.

عائلة واحدة منقسمة بين الأحمر والأزرق

بعكس بعض الديربيات العالمية التي تُفرّق بين جماهير بمدن مختلفة، يتميز ديربي المرسيسايد بأنه “ديربي العائلة الواحدة”، فكثير من العائلات في المدينة تجد بعض أفرادها يشجعون ليفربول والبعض الآخر يشجع إيفرتون، لذلك، غالبًا ما يتسم الجو قبل المباراة بالحذر، حيث يجمع الحب العائلي مع التوتر الكروي المثير.

من الماضي إلى الحاضر.. تفوق كاسح للأحمر

في العقود الأخيرة، خاصة منذ مطلع الألفية الجديدة، فرض ليفربول سيطرته على ديربي المرسيسايد، حيث لم يحقق إيفرتون الفوز في “أنفيلد” لمدة استمرت لأكثر من 20 عامًا حتى عام 2021، حين فاز بهدفين نظيفين في مفاجأة مدوية آنذاك.

ديربي لا يموت وإن تفاوتت المستويات

رغم تغير الأجيال، وتفاوت المستويات، وصعود نجم ليفربول عالميًا في السنوات الأخيرة، إلا أن ديربي المرسيسايد يظل واحدًا من أكثر المباريات إثارة في الكرة الإنجليزية، ففي كل موسم، ينتظر عشاق الفريقين تلك المواجهة بشغف، حيث لا تعترف بالتاريخ أو الترتيب، بل تحكمها الروح، والذكريات، والرغبة في إثبات الهيمنة داخل مدينة واحدة، لا تقبل القسمة على اثنين.