معديات الموت تزهق الأرواح في قنا وتثير مطالبات بتحرك ضد الإهمال

بعد الحادث المؤلم الذي شهد غرق عدد من المواطنين والماشية في معدية بمحافظة قنا صباح أمس، تعود قضية «معديات الموت» لتتصدر العناوين وتسلط الضوء على تقصير الجهات المسؤولة، فهذه الحادثة ليست الأولى، بل هي جزء من سلسلة مآسي سابقة، أبرزها غرق 16 فتاة عاملة في معدية أبو غالب، مما يؤكد أن أرواح المواطنين في القرى والكفور لا تزال بعيدة عن اهتمامات المحافظين.

معديات الموت تزهق الأرواح في قنا وتثير مطالبات بتحرك ضد الإهمال
معديات الموت تزهق الأرواح في قنا وتثير مطالبات بتحرك ضد الإهمال

في تصريحات خاصة لـ”نيوزرووم”، وجه الدكتور حمدي عرفة، أستاذ الإدارة الحكومية والمحلية وخبير استشاري شؤون البلديات الدولية، اتهامًا واضحًا للمحافظين ورؤساء الإدارة المحلية في الـ27 محافظة مصرية، مُحمّلاً إياهم المسؤولية الكاملة عن هذه الكوارث المتكررة.

«معديات الموت» رحلات قصيرة بتكلفة باهظة من الأرواح

بقلب مليء بالألم، قدم الدكتور عرفة خالص العزاء لأسر ضحايا معدية قنا، ثم بدأ في فتح ملف «معديات الموت في الترع والبحيرات» على مصراعيه، كاشفًا عن إحصائيات صادمة تُبرز حجم الكارثة، حيث تتراوح مدة الرحلة الواحدة بين 30 ثانية و8 دقائق فقط، ويصل متوسط عدد الأفراد في كل معدية إلى 8 أشخاص.

إحصائيات كارثية: قيادة بلا رخص ومعديات بلا ترخيص.. غياب تام للأمان

تزداد خطورة الوضع عند النظر في تفاصيل تراخيص هذه المعديات وكفاءة قائديها، حيث يؤكد الدكتور عرفة، استنادًا إلى إحصائيات رسمية، أن ما لا يقل عن 70% من قائدي المعديات النيلية وتلك الموجودة في الترع، خاصة في القرى، لا يحملون رخص قيادة، بينما نحو 45% من المعديات غير مرخصة، وتعمل بعيدًا عن أي رقابة.

أضاف عرفة أن “العديد من المراسي النيلية ومراسي المعديات في المحافظات تم إنشاؤها بشكل عشوائي، وتفتقر لأدنى معايير السلامة، إذ لا توجد بها إنارة كافية أو خدمات أساسية، مما يزيد من خطورتها، وهنا يتحمل رؤساء المراكز والمدن والأحياء المسؤولية الكاملة، تحت إشراف 27 محافظًا.”.

يحمّل الدكتور عرفة الـ27 محافظًا ومن يتبعهم من رؤساء المراكز والمدن والأحياء ورؤساء الوحدات المحلية القروية، المسؤولية الكاملة والمباشرة عن هذه الحوادث المتكررة، ويستند في اتهاماته إلى نصوص واضحة في قانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979م.

المادة رقم 26: تنص بوضوح على أن المحافظ يُعتبر ممثلاً للسلطة التنفيذية بالمحافظة، ويشرف على تنفيذ السياسة العامة للدولة، وعلى مرافق الخدمات والإنتاج في نطاق المحافظة، كما أنه مسؤول عن الأمن والأخلاق والقيم العامة بالمحافظة، والأهم من ذلك، يوضح القانون أن المحافظ هو المشرف على مدير الأمن في كل محافظة، ويلتزم الأخير بإخطاره فورًا بالحوادث ذات الأهمية لاتخاذ التدابير اللازمة.

المادة رقم 27: تؤكد هذه المادة على مسؤولية المحافظين عن مراجعة رخص قائدي المعديات والمراكب، والتأكد من توافر شروط الأمن بها، مثل الإنارة وصافرات الإنذار ووسائل إطفاء الحريق، وذلك بالتنسيق بين كل محافظ والأجهزة التنفيذية ذات الصلة كوزارة الري وشرطة المسطحات.

ويشدد عرفة على أن المحافظين ملزمون بمتابعة ورقابة المجاري النهرية وما يتفرع منها من بحيرات وترع بطول نهر النيل، وما تتضمنه من مراكب وصنادل ومعديات، ومتابعة مراسي النيل، وإزالة التعديات الواقعة على النهر بالتعاون مع الأجهزة التنفيذية.

وعود حكومية لم تُنفذ: الكباري البديلة حلم مؤجل ومشاريع معلقة

يكشف الدكتور عرفة عن واقع مؤلم آخر، وهو عدم تنفيذ الوعود الحكومية السابقة، فقد وافقت الحكومة في وقت سابق على مقترح وزارة النقل بإنشاء كباري خرسانية على المجاري المائية كبديل للمعديات في القرى التي يزيد عدد سكانها على 10 آلاف نسمة، مع إلغاء جميع المعديات في تلك المناطق، إلا أن عرفة يؤكد أن هذا المقترح لم يُنفذ حتى الآن، مما يُبقي الأرواح رهينة لرحلات الموت المتكررة عبر هذه المعديات المتهالكة وغير الآمنة.

يوجه الدكتور حمدي عرفة نداءً عاجلاً لجميع المحافظين الـ27، مطالبًا إياهم بالمراجعة الفورية لرخص جميع المعديات والمراكب النيلية وقائديها، والتأكد من وجود وسائل الأمان الكاملة على متن هذه المعديات، بما في ذلك سترات النجاة وأنظمة الإنذار والإنارة الكافية، وتحديد خطوط سير محددة، وسرعات قصوى، وحمولات محددة لكل معدية، مع الرقابة الصارمة على الالتزام بها.

في سياق متصل، يتابع الدكتور خالد عبدالحليم، محافظ قنا، جهود الإنقاذ النهري للبحث عن المفقودين في حادث سقوط سيارة محملة بعدد من رؤوس الماشية، وبداخلها شخصين، من معدية داخل مياه نهر النيل، بمنطقة معادي دشنا، بمحافظة قنا.