منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، انشغل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بملفات ساخنة مثل أوكرانيا وغزة وإيران، بينما بدت كوريا الشمالية بعيدة عن دائرة اهتماماته، لكن مجلة فورين أفيرز تشير إلى أن ترامب لا يزال يضع ملف بيونج يانج في اعتباره، وأن فكرة إعادة إحياء المفاوضات معها لا تزال قائمة بقوة ضمن استراتيجيته الخارجية.

مقال مقترح: إسرائيل تعلن عن قصف المنشأة النووية الإيرانية في أصفهان
ترامب يصف الزعيم الكوري بالرجل الذكي
فبعد فترة قصيرة من توليه الرئاسة، وصف ترامب الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون بـ”الرجل الذكي”، معبراً عن عزيمته في التواصل معه، وفي مارس، ألمح إلى أنه على اتصال مع بيونغ يانغ، معبراً عن رغبته في “القيام بشيء ما” حيالها “في الوقت المناسب”، كما يضم فريقه للسياسة الخارجية مجموعة من الخبراء في الشأن الكوري، مما يعزز فرص إعادة إطلاق المحادثات.
وبالنسبة لترامب، فإن استئناف المفاوضات مع كوريا الشمالية قد يمثل مكسباً سياسياً يعوضه عن تعثر التقدم في ملفات أكثر تعقيداً مثل غزة وأوكرانيا، كما أن عودته للرئاسة قد تمنحه فرصة لاستكمال ما بدأه في ولايته الأولى، بعد فشل قمة هانوي عام 2019 في الوصول إلى اتفاق بسبب خلافات حول حجم التنازلات وشروط رفع العقوبات.
مقال له علاقة: طيران “ويز إير” تنهي عملياتها في أبوظبي بعد ست سنوات
لكن الواقع اليوم تغير بشكل كبير، حيث خرجت بيونج يانج من عزلتها واستفادت من التحولات الجيوسياسية الأخيرة لتعزيز موقفها عبر تحالفات استراتيجية جديدة مع روسيا والصين، فروسيا التي تعاني من نقص في ذخائر المدفعية بسبب الحرب في أوكرانيا، حصلت من كوريا الشمالية على مخزون هائل مقابل مبالغ مالية تُقدّر بمليارات الدولارات، كما سمحت اتفاقية عسكرية أُبرمت عام 2024 بإرسال آلاف الجنود الكوريين الشماليين لدعم موسكو.
تُشير تقديرات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام إلى امتلاك بيونج يانج نحو 50 رأساً نووياً
وفي الوقت نفسه، عززت كوريا الشمالية ترسانتها النووية، إذ تُشير تقديرات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام إلى أن بيونج يانج تمتلك نحو 50 رأساً نووياً، كما طورت صواريخ باليستية عابرة للقارات مثل “هواسونغ-19″، القادرة على الوصول إلى أي هدف داخل الولايات المتحدة في دقائق.
ورغم هذا التصعيد، هناك إشارات على رغبة كوريا الشمالية في العودة إلى طاولة المفاوضات، فقد خففت من نبرة وسائل إعلامها الرسمية، ونقلت دولٌ صديقة عن مسؤولين كوريين شماليين استعدادهم لاستئناف الحوار مع واشنطن.
من وجهة نظر بيونج يانج، فإن “صفقة صغيرة” جديدة تشبه تلك التي طُرحت في هانوي قد تكون خطوة ذكية، إذ إن العلاقات التجارية مع موسكو مهددة بالتراجع بعد انتهاء الحرب، بينما تخشى القيادة الكورية الشمالية الارتهان الكامل إلى الصين، القوة الوحيدة القادرة على التدخل في شؤونها الداخلية.
في المقابل، قد يُشكل الرئيس الكوري الجنوبي الجديد، لي جاي ميونج، عاملاً مساعداً في تسهيل هذا التقارب، خاصة إذا تم تخفيف العقوبات الدولية، وقد يشمل الانفتاح أيضًا فتح قنوات تفاوضية مع طوكيو للحصول على تعويضات عن فترة الاستعمار الياباني لشبه الجزيرة الكورية.
ورغم أن “الصفقة الصغيرة” لن تؤدي إلى نزع سلاح نووي كامل، إلا أنها قد تُسهم في تجميد التوسع النووي الكوري الشمالي مؤقتاً، وبالنسبة لترامب، قد تكون هذه اللحظة الأنسب لتحقيق اختراق دبلوماسي يُحسب له، قبل تغيّر محتمل في الإدارة الأمريكية مستقبلاً، وهو ما يخشاه صناع القرار في بيونغ يانغ، في ضوء تجربة انهيار الاتفاق النووي الإيراني.