ليست كل الحروب تُخاض بالسيوف، بعضها تُخاض بالقلوب، وتُشعلها الصافرة الأولى، في مدريد، مدينة الشمس والنار، تتقسم السماء كل عام مرتين، وتتحول شوارعها إلى ساحات معركة، حين يلتقي الأبيض الملكي بالأحمر الثائر، هذا ليس مجرد ديربي، بل زلزال كروي يهز أرجاء العاصمة تحت أقدام الجميع.

شوف كمان: أنشيلوتي يعلن قائمة البرازيل لتصفيات كأس العالم في غياب نيمار وزميل صلاح
ديربي مدريد تاريخ من الحقد والثأر.
ريال مدريد وأتلتيكو مدريد، اسمان لا يُذكران في جملة واحدة إلا ويشتعل خلفهما تاريخ من الحقد، الثأر، الانكسار والانتصار، هناك، لا يُغفر، لا يُنسى، ولا يُرحم، هنا، كل هدف هو رصاصة، وكل صافرة نهاية هي بداية لحكاية أخرى، إنه ديربي العاصمة، حيث لا تنظر الجماهير إلى جدول الترتيب، بل إلى العيون التي تحمل نيران الغضب، وإلى الأرواح التي تحترق من أجل الشعار، قصة بدأت منذ أكثر من مئة عام، وما زالت تُكتب بدماء العاشقين، وبأقدام أساطير لا تعرف الرحمة.
بداية العداء التاريخي.
بدأت أولى مواجهات ديربي مدريد في أوائل القرن العشرين، عندما التقى الفريقان لأول مرة عام 1906 في مباراة ودية انتهت بفوز ريال مدريد بخماسية بيضاء، لكن البداية الحقيقية للعداء تعود إلى عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، عندما بدأت كرة القدم تخرج من إطار الهواية لتصبح رمزًا للانتماء الطبقي والسياسي.
أصل الفريقين وصراع الطبقات.
كان الفريق الملكي يُنظر إليه كرمز للطبقة الحاكمة، خاصة خلال فترة حكم الديكتاتور “فرانكو”، الذي ارتبط اسمه بدعم الفريق الأبيض، رغم الجدل المستمر حول مدى هذا الدعم، في المقابل مثّل الروخيبلانكوس الطبقة العاملة “الكادحة” في العاصمة، وكانت جماهيره تنتمي للأحياء الشعبية.
ممكن يعجبك: أحمد عبدالقادر يعود للزمالك في حال التعاقد مع الحزم السعودي وفقاً لكريم حسن شحاتة
العصر الذهبي للروخيبلانكوس.
ازداد الاحتقان بين الغريمين في الأربعينات والخمسينات من القرن المنقضي، عندما كان أتلتيكو مدريد ينافس بقوة على الألقاب، بل وفاز بالدوري الإسباني في موسمي 1941/1942، بينما بدأ ريال مدريد في بناء سمعته الأوروبية لاحقًا، خصوصًا بعد تأسيس بطولة دوري أبطال أوروبا في تلك الفترة.
أبرز المواقف العدائية.
شهد الديربي لحظات مليئة بالتوتر والعداء بين قطبي العاصمة، لعل أبرزها “نهائي دوري أبطال أوروبا 2014، وهو أحد أكثر المباريات إثارة في تاريخ الديربي، حيث كان الروخيبلانكوس على بعد دقائق من تحقيق أول لقب أوروبي في تاريخه “دوري أبطال أوروبا”، قبل أن يسجل سيرجيو راموس هدف التعادل في الدقيقة 93، ويعود الميرنجي بريمونتادا قاتلة ويحقق اللقب في النهاية بأربعة أهداف مقابل هدف واحد، في الأشواط الإضافية.
النهائي الثاني والعقدة المدريدية مستمرة.
نهائي دوري أبطال أوروبا 2016، التقى الغريمان مجددًا في نهائي أكبر البطولات الأوروبية، وانتهت المباراة بالتعادل بهدف لمثله، حيث سجل للميرنجي “سيرجيو راموس، بينما تعادل البلجيكي “يانيك كاراسكو” النتيجة لكتيبة دييجو سيميوني، قبل أن يحسمها ريال مدريد بركلات الترجيح، ما زاد من آلام مشجعي أتلتيكو وأجّج الكراهية بين الفريقين.
لطالما شهدت مباريات الديربي احتفالات استفزازية من لاعبي الفريقين، مثلما فعل كريستيانو رونالدو حين أشار إلى جماهير أتلتيكو بالصمت في ملعب “واندا متروبوليتانو”، وهو ما أثار ضجة كبيرة.
أشهر من ارتدى قميص الغريمين.
من النادر أن ينتقل لاعب بين الناديين بسبب العداء الجماهيري، لكن هناك بعض اللاعبين الذين ارتدوا قميص الفريقين، أبرزهم:
هوجو فلوريس سانشيز، أحد أبرز الأسماء، حيث لعب لأتلتيكو مدريد في الثمانينات قبل أن ينتقل إلى ريال مدريد ويصبح أحد أساطيره، مما تسبب في غضب جماهير الروخيبلانكوس، تيبو كورتوا حارس المرمى البلجيكي لعب مع أتلتيكو وأصبح محبوبًا في صفوفهم، لكنه انتقل لاحقًا إلى ريال مدريد قادمًا من تشيلسي، ليُقابل بعداوة شديدة من جماهير واندا ميتروبوليتانو، وصلت لحد التهديدات، في العصر الحديث، هناك العديد من اللاعبين الذين انتقلوا من ريال مدريد إلى أتلتيكو، ولعل أبرزهم “ماركوس يورينتي، والمهاجم الدولي الإسباني “ألفارو موراتا
أبرز النتائج التاريخية في ديربي مدريد.
شهد الديربي العديد من النتائج البارزة، ولعل أبرزها، موسم 1958/1959، واحدة من أكبر النتائج في ديربي مدريد، حيث اكتسح الفريق الملكي غريمه بخماسية بيضاء، بينما جاء موسم 2015، ليشهد فوز تاريخي للروخيبلانكوس على معقله القديم “فيسنتي كالديرون”، بقيادة أنطوان غريزمان وماريو ماندزوكيتش، وألحقوا بالميرنجي واحدة من أكبر هزائمهم في العقد الأخير، بينما نجح الروخيبلانكوس في تحقيق لقب كأس الملك عام 2013 بهدفين مقابل هدف واحد، وبالتحديد في معقل الفريق الملكي “سانتياجو برنابيو”، ما كان ضربة موجعة لبطل أوروبا، وأعاد بعض الهيبة للغريم.
أخيرًا، يظل ديربي مدريد أكثر من مجرد صراع كروي، إنه انعكاس لتاريخ مدينة منقسمة بين النخبة والعامة، بين الهيمنة والطموح، وعلى الرغم من تفوق ريال مدريد من حيث الألقاب، فإن أتلتيكو يظل منافسًا شرسًا يحمل روح التحدي والثأر، مما يجعل كل ديربي حدثًا منتظرًا بشغف، لا يُمكن التنبؤ بنتيجته، ولا يخلو من الإثارة والدراما.