انتقد الإعلامي السعودي الطرح الأخير للشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، حول الاتحاد الخليجي، معتبراً أنه يعيد إنتاج معضلة الخوف من “اختلال الأحجام” بدلاً من مواجهتها بشجاعة ومسؤولية.

من نفس التصنيف: تحذير من الأمم المتحدة: حرب إيران وإسرائيل تؤدي إلى نزوح جديد
وفي تغريدة له عبر حسابه الرسمي على منصة “إكس”، أشار الشريان إلى ضرورة الوحدة وهواجس الذوبان، حيث قال: “في سياق إقليمي يزداد اضطراباً، تعود إلى الواجهة تساؤلات مشروعة عن مصير الاتحاد الخليجي، وعن أسباب تعثره رغم ما يبدو من إجماع ظاهري على ضرورته”
وقد جاء طرح الشيخ حمد بن جاسم ليعيد تحريك هذه التساؤلات، ولكن بلغة تعيد إنتاج المشكلة بدلاً من تفكيكها، حيث تظل معضلة الخوف من اختلال الأحجام قائمة، بينما لا يوجد غياب للأنظمة.
وأضاف: “في لحظة تتطلب فيها المنطقة أعلى درجات التماسك، فإن الدعوة إلى تقنين الشكوك بدلاً من تجاوزها تبدو أقرب إلى محاولة ترسيم حدود الخوف، بدلاً من فتح آفاق الثقة”
وهنا تأتي محاولة طرح الإشكالية من زاوية مختلفة، حيث ستظل الشراكة الخليجية ناقصة ما دامت محكومة بهواجس التاريخ، أو معلقة على تحفظات غير معلنة تعيق بناء الثقة بين الأشقاء.
السؤال اليوم ليس فقط عن غياب الإطار القانوني لمشروع الاتحاد، بل أيضاً عن استمرار بقايا قلق دفين من “اختلال الأحجام” بين دولة كبيرة وخمس دول أصغر منها حجماً وثقلاً، حيث يلقي هذا التفاوت بظلاله على القرار، ويخلق فجوة بين شعارات التعاون وحسابات الواقع.
مقال مقترح: إيران تستحوذ على الأسرار النووية من إسرائيل كأكبر ضربة استخباراتية في التاريخ
داود الشريان: الخليج بحاجة لحسم لا لهواجس قديمة
وتابع داود الشريان قائلاً: “في كل أزمة كبرى مرت بها المنطقة، لم تكن الاختلافات الخليجية مجرد اجتهادات مشروعة، بل كثيراً ما عكست حرصاً مفرطاً من بعض الدول على عدم الذوبان في إرادة الشقيق الأكبر، وهذه ليست ظاهرة جديدة؛ ففي لحظات حاسمة، اتخذت مواقف بالغة الحساسية لم تكن تبرر سوى بالخوف من ضياع الهوية أو السيادة، حتى وإن كان ذلك على حساب المصالح المشتركة، بل إن بعض الدول استنجدت مراراً بالدعم السعودي – أمنياً وسياسياً – حين واجهتها المخاطر، ثم عادت تتوجس من حجم الدور الذي لعبه الشقيق الأكبر في تلك اللحظة، حتى وإن كان ذلك الدور منقذاً في نتائجه
وفي محطات أخرى، تم طرح مبادرات تكاملية طموحة، فقوبلت برفض مفاجئ من أطراف فضلت البقاء ضمن حدود التنسيق التقليدي بدلاً من القفز إلى مرحلة اتحاد قد يربك توازناتها السياسية والرمزية.
ضرورة الوحدة وهواجس الذوبان
رد على طرح الشيخ حمد بن جاسم.
في سياق إقليمي يزداد اضطراباً، تعود إلى الواجهة تساؤلات مشروعة عن مصير الاتحاد الخليجي، وعن أسباب تعثره رغم ما يبدو من إجماع ظاهري على ضرورته، وقد جاء طرح الشيخ حمد بن جاسم ليعيد تحريك هذه التساؤلات مجدداً، ولكن بلغة تعيد إنتاج….
— داود الشريان (@alshiriandawood).
وأضاف الشريان: “غير أن هذا القلق الموروث – مهما كانت أسبابه التاريخية – لم يعد صالحاً ليحكم منطق الشراكة اليوم، فالأخطار لا تصيب الدولة الكبرى وحدها، بل كثيراً ما تبدأ بالصغرى أولاً، وما يهدد كياناً واحداً قد يضعف الجبهة كلها، ورغم تكرار القول إن دول الخليج في مركب واحد، لا يزال بعضنا يتعامل مع المركب بروح الاحتياط لا بروح الائتلاف، ولعل ما يغيب عن هذه الحسبة أن المواقف الصلبة في لحظات الخطر الوجودي بنيت غالباً في الرياض، وتحملتها الرياض، ليس سعياً للهيمنة، بل إدراكاً للمسؤولية التي يفرضها ثقل الجغرافيا والتاريخ والدور السياسي، وحين يُقرأ هذا الدور لا كرافعة استقرار بل كعامل تهديد، تصبح الثقة صعبة، ويغدو أي ميثاق قانوني – مهما كان متيناً – عرضة للارتياب والتأويل
واختتم الشريان تغريدته قائلاً: “لذلك، فإن مقترحاً يقدم اليوم تحت عنوان القانون والعدالة، يبدو في هذا التوقيت أشبه بمن يسعى إلى تثبيت مخاوفه بدل أن يتجاوزها، في لحظة حرجة تتطلب تعزيز اللحمة لا تقنين التوجس، فليس في الخليج من يخطط لابتلاع الآخر، لكن هناك من يخشى ذلك لدرجة تعطل المشروع برمته
الاتحاد الخليجي ليس حلمًا مؤجلاً، بل ضرورة حالية، ولا يمكن بناؤه بالأنظمة القانونية وحدها، بل بثقة صريحة تعترف بالفوارق بين الدول دون أن تخشاها أو تضخمها.
الحديث عن تفاوت الأحجام ليس دعوة لكبح أحد، ولا مدخلاً للهيمنة، بل محاولة واقعية لفهم التوازن المطلوب لبناء مشروع مشترك، يقوم على دور لكل دولة، لا على قلق دائم من دور إحداها.