توفي ديفيد جيرجن، المستشار الإعلامي البارز في البيت الأبيض الذي لعب دورًا كبيرًا في تشكيل الخطاب السياسي وصورة أربعة رؤساء أمريكيين، عن عمر يناهز 83 عامًا في دار رعاية بمدينة ليكسينغتون بولاية ماساتشوستس، وفقًا لما أوردته صحيفة واشنطن بوست، وأكد نجله كريستوفر جيرجن أن الوفاة كانت نتيجة إصابته بمرض أجسام لوي، وهو اضطراب دماغي تنكسي متقدم.

ممكن يعجبك: إسرائيل تعترف بتأثر مواقعها العسكرية جراء الهجمات الصاروخية الإيرانية
مزج فيها بين السياسة والإعلام والعمل الأكاديمي
امتدت مسيرة جيرجن المهنية لعقود، حيث مزج بين السياسة والإعلام والعمل الأكاديمي، إذ شغل مناصب رفيعة في ثلاث إدارات جمهورية (نيكسون، فورد، وريغان) بالإضافة إلى إدارة ديمقراطية واحدة (كلينتون)، وكان معروفًا بتوازنه ووسطيته السياسية، حيث عرّف نفسه لاحقًا بأنه “مستقل مسجل”.
إلى جانب عمله في البيت الأبيض، شغل جيرجن مناصب تحريرية في مجلات أمريكية بارزة مثل يو إس نيوز آند وورلد ريبورت، وكان كاتب عمود ومعلقًا سياسيًا معتمدًا في شبكات مثل CNN وNPR وPBS، كما عمل في مؤسسات فكرية ذات توجهات سياسية متنوعة، بدءًا من معهد أمريكان إنتربرايز المحافظ وصولاً إلى كلية كينيدي للدراسات الحكومية الليبرالية في جامعة هارفارد.
في زمنٍ تتراجع فيه الثقة العامة بالمؤسسات، عبّر جيرجن عن قلقه إزاء “انهيار حسن النية” بين الساسة، محذرًا من التصعيد الخطابي والسخرية المفرطة في الحياة العامة، وطالب بإحياء أخلاقيات اللباقة والنزاهة في الخدمة العامة.
تكونت صداقات جيرجن عبر الأطياف السياسية، فاقترب من شخصيات مثل بيل كلينتون، ديك تشيني، كولن باول، وروس بيرو، وصرّح لمجلة رولينج ستون بأنه كان منجذبًا للقادة ذوي الحضور القوي والقدرة على التأثير، بغض النظر عن انتمائهم السياسي.
براغماتي لا أيديولوجي
دخل جيرجن عالم السياسة في أوائل السبعينيات، عندما أقنعه زميل من جامعة ييل، كان والده مقربًا من الرئيس ريتشارد نيكسون، بالتقدّم لوظيفة مساعد كاتب خطابات في البيت الأبيض، والغريب أن جيرجن كان قد صوّت للمنافس الديمقراطي هيوبرت همفري عام 1968، لكن انخراطه في إدارة نيكسون شكّل نقطة تحول نحو البراغماتية السياسية التي ميزته لاحقًا.
لم يكن جيرجن جمهوريًا مسجلًا أبدًا، بل ظل مستقلًا طوال مسيرته، وفقًا لما أكده نجله، وعلى الرغم من التزامه بسياسة خارجية متشددة، فقد احتفظ بميول ليبرالية اجتماعية وتقدمية.
سيرة حافلة.. ونشأة تنافسية
وُلد ديفيد ريتشموند جيرجن في دورهام بولاية كارولاينا الشمالية في 9 مايو 1942، وكان الأصغر بين أربعة إخوة في عائلة أكاديمية، حيث كان والده أستاذ رياضيات ورئيس قسم في جامعة ديوك، وضع معايير صارمة لتربية أبنائه، وروى شقيقه كينيث جيرجن أن الأجواء المنزلية كانت “تنافسية للغاية” ومليئة بالضغط والطموح.
اقرأ كمان: أول تعليق من إيران على تصريحات ترامب بشأن خامنئي: “غير محترمة”
تخرج جيرجن من جامعة ييل عام 1963 بدرجة البكالوريوس في التاريخ، وعمل ضمن مبادرة تقدمية لتعزيز التعايش بين الأعراق في ولايته، وبعدها التحق بكلية الحقوق في هارفارد، وتخرج منها عام 1967، ثم خدم في البحرية الأمريكية أثناء حرب فيتنام، حيث عمل كضابط هندسي في إدارة الأضرار على متن سفينة إصلاح في اليابان.
رحل جيرجن بعد حياة حافلة بالتحولات، متزنًا في مواقفه، ومؤمنًا بأن القيادة الحقيقية تقوم على الكاريزما والاعتدال، لا على الصخب والانقسام.