في لحظة فارقة من تاريخ الإنسانية، تجلّى صوت أممي مختلف، أكثر حدة ووضوحًا وجرأة، صوت لا يرتجف حين يتهم، ولا يتراجع حين يُهدد، صوت يُدعى: فرانشيسكا ألبانيزي، المقررة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي وصفت ما يحدث في غزة بـ”الإبادة الجماعية”

ممكن يعجبك: اجتماع ثلاثي بين الشرع وقائد قسد والمبعوث الأمريكي في دمشق لمواجهة داعش
منذ تعيينها في مارس 2022 ودخولها رسميًا في المنصب في 1 مايو من نفس العام، اتخذت “ألبانيزي” نهجًا مميزًا عن العديد من المبعوثين والمقررين الدوليين، فلم تُجمّل الكلمات ولم تختبئ وراء مصطلحات سياسية غامضة، بل كانت صريحة في تشخيصها وشرسة في تقاريرها.
ممكن يعجبك: تصعيد غير مسبوق.. ماسك يكشف تورط ترامب في ملفات إبستين
بداية الحكاية.. مجزرة صبرا وشاتيلا
فرانشيسكا، المولودة في مدينة “أريانو إيربينو” جنوب إيطاليا عام 1977، لا تخفي أن أول شرارة في وعيها تجاه القضية الفلسطينية كانت صور مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982، والتي شكلت وجدانها السياسي والإنساني، لتصبح بعد ذلك مناصرة حقيقية للقضية في كل مراحل دراستها وعملها.
درست القانون في جامعة بيزا، وحصلت على الماجستير من SOAS في لندن، وتُعد حاليًا أطروحتها للدكتوراه في جامعة أمستردام حول القانون الدولي للاجئين، وتُحاضر في جامعات مرموقة مثل جورج تاون والجامعة الأمريكية في بيروت.
ألبانيزي ضد الجميع.. تقارير واتهامات وتهديدات
منذ تعيينها، تعرضت لحملات تشويه واسعة من إسرائيل، التي وصفتها بأنها “معادية للسامية”، ومن الولايات المتحدة التي فرضت عليها مؤخرًا عقوبات شاملة بزعم “الدعاية المعادية” و”التحريض على القادة الإسرائيليين والأمريكيين”.
لكن ما أثار هذه الهجمة، لم يكن إلا تقاريرها الدامغة:
اتهمت إسرائيل بتطبيق نظام فصل عنصري ضد الفلسطينيين، وصفت عدوان غزة بـ “إبادة جماعية ممنهجة”، قارنت نتنياهو بهتلر وقادة نازيين آخرين، طالبت بمحاسبة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية، ووصفت المجتمع الدولي بأنه “متواطئ بالصمت والدعم”.
في مارس 2024، رفعت تقريرًا إلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف، أكدت فيه ارتكاب إسرائيل جرائم إبادة جماعية في غزة، مدعّمة بالصور والشهادات.
إسرائيل تمنعها من الدخول.. وواشنطن تفرض العقوبات
في فبراير 2024، أعلنت إسرائيل منع فرانشيسكا ألبانيزي من دخول الأراضي المحتلة، بعد تصريحاتها عن عملية “طوفان الأقصى”، والتي قالت فيها: “لا يحق لإسرائيل ادعاء الدفاع عن النفس أمام شعب تحت الاحتلال”
كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات شخصية عليها، وصفتها ألبانيزي بأنها “وسام شرف” لأنها تعني أنها أصابت الحقيقة في مقتل.
لماذا يلاحقونها؟
في تقاريرها، لم تكتف ألبانيزي بالإدانة، بل سمّت الشركات الضالعة في دعم الاحتلال، واتهمت أكثر من 60 شركة بالمشاركة في الاستيطان ودعم العمليات العسكرية، من بينها شركات تكنولوجيا وسلاح عالمية.
وطالبت ثلاث دول أوروبية مؤخرًا بتوضيح سبب السماح لطائرة نتنياهو باستخدام مجالاتها الجوية رغم كونه مطلوبًا للجنائية الدولية.
الاتحاد الأوروبي ينتقد العقوبات الأمريكية ضد فرانشيسكا ألبانيزي
أعرب الاتحاد الأوروبي عن اعتراضه الشديد على العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على فرانشيسكا ألبانيزي، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، عقب انتقاداتها لسياسات واشنطن في سياق الحرب على غزة، واتهامها للاحتلال الإسرائيلي بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية بحق المدنيين الفلسطينيين.
وقال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية أنوار العوني، إن الاتحاد الأوروبي يؤكد دعمه الراسخ لنظام حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ويأسف بشدة للإجراءات الأمريكية التي استهدفت ألبانيزي.
دعوات أممية للتراجع عن العقوبات الأمريكية
وفي رد فعل سريع، دعت الأمم المتحدة واشنطن إلى التراجع عن قرارها، إذ طالب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، برفع العقوبات فورًا، مشددًا على أهمية حماية المسؤولين الأمميين من الهجمات والضغوط، سواء من قبل الدول أو جهات أخرى، خصوصًا من يعملون في قضايا حساسة كحقوق الإنسان والعدالة الدولية.
البيت الأبيض يعلن الحرب على الأمم المتحدة
وكان وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، قد أعلن عبر منصة “إكس” أن واشنطن ستفرض عقوبات على ألبانيزي، متهمًا إياها بمحاولات “غير مشروعة ومخزية” لدفع المحكمة الجنائية الدولية نحو محاسبة مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين، فضلًا عن شركات متهمة بالمشاركة في جرائم الاحتلال، دون تقديم تفاصيل واضحة بشأن نوع العقوبات المفروضة.
أصوات تطالب بمنحها “نوبل”
رغم الهجوم الشرس عليها، اقترح عضو البرلمان الأوروبي، السلوفيني ماتياز نيميتش، منح ألبانيزي جائزة نوبل للسلام 2026، واعتبر أنها “تمثل ما تبقى من الضمير الدولي في وجه الإبادة”.
ألبانيزي ترد: “لن أتراجع”
أكدت فرانشيسكا ألبانيزي في أكثر من لقاء: “سأواصل عملي ولو منعتني إسرائيل، ولو شتمتني واشنطن، فالشعب الفلسطيني لا يملك ترف الصمت وأنا لا أملك ترف التخاذل”
“قول الحقيقة أصبح تهمة”.. إعلامي سعودي يُلخص المشهد
في تعليق لافت اختصر فيه المشهد، قال الإعلامي السعودي داود الشريان في تغريدة له عبر حسابه الرسمي بمنصة “إكس”: “فرانشيسكا ألبانيزي، مقررة أممية، وثقت جرائم الإبادة في غزة، ففرضت عليها العقوبات، هددوها ومنعوها وشوهوا صورتها، لأنها قالت الحقيقة، في زمن الإبادة، يبدو أن قول الحقيقة أصبح تهمة”
، مقررة أممية، وثقت جرائم الإبادة في غزة، ففرضت عليها العقوبات، هددوها ومنعوها وشوهوا صورتها، لأنها قالت الحقيقة، في زمن الإبادة، يبدو أن قول الحقيقة أصبح تهمة.
— داود الشريان (@alshiriandawood).