تستمر إسرائيل في الترويج لخطة مثيرة للجدل أعلنها وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، والتي تتضمن إنشاء ما يُعرف بـ”المدينة الإنسانية” في جنوب قطاع غزة، والهدف من هذه الخطة هو نقل مئات الآلاف من الفلسطينيين إليها، وعلى الرغم من أن الخطة قُدمت للإدارة الأمريكية على أنها “خطة إنسانية طوعية”، فإن تفاصيلها وموقعها القريب من الحدود أثارت موجة من التحذيرات القانونية والسياسية سواء داخل إسرائيل أو على الصعيد الدولي، حيث يُنظر إليها كغطاء لعملية تهجير قسري محتملة قد تُعتبر جريمة حرب.

شوف كمان: إيران تحتفظ بمعظم مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب وفقًا لفيننشال تايمز
حجر عثرة أمام صفقة الأسرى
وكُشف أن تمسّك إسرائيل بعدم الانسحاب من رفح ومواصلتها تنفيذ الخطة كان أحد أبرز العقبات التي تواجه تقدم مفاوضات تبادل الأسرى مع حركة “حماس”، بينما التزمت الحكومة الإسرائيلية الصمت الرسمي حول جوانب الخطة، إلا أن “المدينة الإنسانية” أثارت قلقاً حتى في الأوساط السياسية الإسرائيلية، خاصة بعد أن وصفت صحيفة هآرتس المخطط بأنه “غيتو” يشبه معسكرات الاعتقال التي سبقت الإبادة الجماعية في أوروبا.
غايات الخطة: ترحيل منظم لا عودة فيه
وبحسب ما تم تسريبه من الخطة، فإن من يدخل “المدينة” لن يُسمح له بالعودة إلى مناطق القطاع الأخرى، بل يُمهَّد له الطريق إلى خارج غزة، مما يعني ترانسفير مباشر، وتُقدر تكلفة المشروع بأكثر من 6 مليارات دولار، وتسعى إسرائيل لإشراك أطراف دولية في تنفيذها بإشراف مباشر من نائب رئيس الأركان السابق أمير برعام.
وأوضح كاتس أن الخطة تهدف إلى “تفكيك بنية حماس، ونزع السلاح من القطاع، وتنفيذ رؤية الهجرة”، وهو ما يعكس توافقاً مع خطة التهجير التي سبق أن طرحها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ضمن ما سُمّي بـ”صفقة القرن”.
خلاف داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية
وخلقت الخطة انقساماً حاداً داخل الحكومة الإسرائيلية، خاصة بين القيادة السياسية والجيش، وخلال اجتماع المجلس الوزاري المصغر، عبّر رئيس الأركان إيال زامير عن معارضته الشديدة، محذراً من أن تنفيذ المشروع قد يغرق الجيش في مستنقع غزة، ويضع على عاتقه مسؤوليات ميدانية وقانونية خطيرة.
وطلب زامير تأجيل التصويت على الخطة لمزيد من الدراسة، لكن نتنياهو رفض، مما يدل على الإصرار على تنفيذها، ويُشار إلى أن الكلفة المتوقعة للمشروع تعادل نصف ميزانية الأمن الإسرائيلية، في ظل اتفاق موازٍ تم التوصل إليه لزيادة مخصصات الدفاع بنحو 12 مليار دولار.
تحذيرات قانونية: جريمة حرب مكتملة الأركان
ومن وجهة نظر قانونية، حذر البروفيسور يوفال شيني، رئيس قسم القانون الدولي في الجامعة العبرية، من أن الخطة “تمثّل خرقاً للقانون الدولي”، وقد ترقى إلى مستوى جريمة حرب إذا طُبقت بالقوة أو عبر حوافز ضاغطة تُجبر السكان على المغادرة، وأكد شيني أن نقل السكان قسراً داخل منطقة محتلة محظور قانوناً، وأن منعهم من مغادرة “المدينة” أو حرمانهم من العودة إلى بيوتهم يُعد غير قانوني تماماً، كما نبّه إلى خطورة استخدام “المساعدات الإنسانية” كوسيلة ضغط لنقل السكان، ما يُصنَّف دولياً كشكل من أشكال التهجير القسري.
اقرأ كمان: قتيل و9 مصابين في حصيلة أولية لانفجارات غامضة بإدلب السورية
تحذيرات أخلاقية: تكرار لسيناريوهات الإبادة
وفي الداخل الإسرائيلي، أثار الصحفي المعروف جدعون ليفي جدلاً واسعاً بتشبيهه الخطة بما جرى في الهولوكوست وكارثة الأرمن، وقال: “ما يحدث هو المرحلة الأخيرة قبل الإبادة الجماعية، من يُقيم مدينة يَمنع الخروج منها، ويرى فقط مخطوفيه ولا يرى مئات القتلى من الفلسطينيين، لا يحق له الحديث عن الإنسانية”، وتُعتبر خطة “المدينة الإنسانية” التي تروّج لها الحكومة الإسرائيلية، وتطرحها على أنها حلّ مرحلي في غزة، تحمل في طياتها مؤشرات خطيرة على نية مبيتة لترحيل جماعي للفلسطينيين، وبينما تتزايد التحذيرات من تداعياتها القانونية والإنسانية، فإن استمرار طرحها وتنفيذها تدريجياً قد يعرض إسرائيل لعزلة دولية، وربما لمحاكمات جنائية دولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.