اشتباكات السويداء.. هل تستغل إسرائيل الفوضى للضغط على دمشق في مسألة التطبيع؟

في الآونة الأخيرة، شهدت محافظة السويداء في الجنوب السوري موجة عنف غير مسبوقة، حيث تخللتها اشتباكات دموية بين مجموعات مسلحة محلية تنتمي إلى الطائفة الدرزية وعشائر بدوية، وبدأ هذا التوتر على خلفية حوادث خطف متبادل، وسرعان ما خرج عن السيطرة، ليشمل أحياء سكنية ومناطق متداخلة داخل المحافظة، وسط غياب ملحوظ لمؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية، التي لم تتدخل إلا بعد تفاقم الوضع، وبشكل محدود وغير مؤثر.

اشتباكات السويداء.. هل تستغل إسرائيل الفوضى للضغط على دمشق في مسألة التطبيع؟
اشتباكات السويداء.. هل تستغل إسرائيل الفوضى للضغط على دمشق في مسألة التطبيع؟

واتخذ المشهد أبعادًا إقليمية مع تدخل الطيران الإسرائيلي الذي استهدف دبابات الجيش السوري المتجهة نحو مواقع الاشتباك، بزعم حماية أبناء الطائفة الدرزية من “قمع محتمل”، واللافت أن الضربات الإسرائيلية لم تستهدف العشائر أو بؤر التوتر، بل ركزت فقط على القوات السورية ودباباتها، في رسالة واضحة تفيد بأن تل أبيب لا ترغب في رؤية الجيش السوري يستعيد السيطرة الكاملة على الجنوب.

هذا التدخل السريع والمحدد أثار تساؤلات كثيرة حول الدوافع الحقيقية، وفتح الباب أمام فرضية أن إسرائيل قد تكون مهتمة بتغذية الفوضى في المنطقة، وربما توظيفها سياسيًا في سياق إقليمي أوسع، لا سيما في ظل الحديث المتجدد عن مشاريع التطبيع، لكن هل يمكن القول إن إسرائيل كانت تقف خلف ما جرى في السويداء بهدف جر دمشق إلى التطبيع دون شروط؟

اشتباكات السويداء

في هذا الإطار، أكدت الدكتورة نيفين وهدان، أستاذة العلوم السياسية، أنه لا توجد مؤشرات على وجود تنسيق مسبق بين تل أبيب وأطراف داخل محافظة السويداء، مشيرة إلى أن إسرائيل لا تملك حلفاء محليين يمكن أن يحركوا هذا النوع من الصراع لصالحها.

وأضافت وهدان في حديث خاص لموقع خبر صحأن المحافظة لم تشهد دعوات علنية أو خفية للتطبيع مع إسرائيل، سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي، لكن تل أبيب سارعت إلى استثمار الوضع الميداني بذكاء، لتوجيه رسائل أمنية وعسكرية تؤكد من خلالها أن الجنوب لا يزال تحت أعينها، وأنها قادرة على فرض خطوط حمراء متى شاءت.

د. نيفين وهدان: السويداء محافظة درزية ولم تكن على وفاق مع السلطة بسبب التهميش

وأشارت وهدان إلى أن السويداء، بوصفها منطقة درزية شبه مغلقة، بقيت خارج الاصطفافات الحادة خلال سنوات الحرب، لكنها لم تكن على وفاق مع السلطة المركزية في دمشق بسبب سياسات التهميش وضعف التمثيل، معتبرة أن هذه الخصوصية تجعل من المنطقة مساحة حساسة ومعقدة، يصعب اختراقها سواء من قبل النظام أو من قبل أطراف خارجية، بما في ذلك إسرائيل.

وشددت وهدان على أن الحديث عن اشتباك هندسي خارجي لجرّ السويداء أو النظام إلى طاولة التطبيع هو طرح غير واقعي في ظل التوازنات الإقليمية الراهنة، مشيرة إلى أن إسرائيل لا تسعى بالضرورة إلى تطبيع مباشر مع النظام السوري، بل تهدف إلى تفكيك قبضته جنوب البلاد، ومنع أي تهديد استراتيجي من التمركز قرب حدود الجولان المحتل.

ورأت أن ما جرى في السويداء لم يكن جزءًا من مشروع إسرائيلي مخطط، بل كان فرصة استغلتها تل أبيب لمراكمة مكاسب في لعبة النفوذ الإقليمي، مستفيدة من هشاشة الجنوب السوري الذي يعاني من تفكك اجتماعي، وغياب للسلطة، وضعف تنموي واضح.

واختتمت أستاذة العلوم السياسية بالقول إن الاشتباكات الأخيرة كانت انعكاسًا لصراع داخلي عميق تغذى على الإهمال وانعدام الحلول، واستغلت خارجيًا لأهداف مؤقتة، مشيرة إلى أن الحديث عن “تطبيع دون شروط” يبقى بعيدًا عن الواقع، في ظل المعادلات السياسية للنظام ورفض البيئة المحلية لأي تقارب مع إسرائيل من الأساس.

وأكدت الدكتورة نيفين وهدان في ختام تصريحها أن ما حدث يمثل لحظة خطرة تكشف هشاشة الواقع السوري، لكنها ليست نتيجة مؤامرة مرسومة، بل انعكاس لحالة تائهة تتنازعها القوى، وتراقبها الأطراف، وتوظفها إسرائيل حين تتاح لها الفرصة، دون الحاجة لأن تصنعها بالكامل.