في الخامس عشر من يوليو من كل عام، نحتفل بذكرى حدث تاريخي مهم في فهم الحضارة المصرية القديمة، ففي مثل هذا اليوم من عام 1799، وخلال الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت، تم اكتشاف لوحة رشيد الحجرية، وقد عثرت عليها فرقة عمل يقودها الجندي الفرنسي الشاب بيير فرانسوا بوشار (23 عامًا) أثناء إجراء تعديلات على حصن السلطان الأشرف قايتباي في مدينة رشيد، والتي تقع حاليًا في محافظة البحيرة.

شوف كمان: وزيرا التضامن والعمل يقرران رفع تعويضات حادث المنوفية إلى 500 ألف
حجر رشيد: مفتاح لفك رموز الحضارة المصرية
يتكون حجر رشيد من حجر الجرانودايوريت، وقد نُقش عليه مرسوم ملكي يعود إلى عام 196 قبل الميلاد، ووفقًا للمؤرخ المعروف بسام الشماع، في تصريحات خاصة لـ نيوز رووم، فإن المرسوم كان موجهًا من كهنة مدينة منف بالجيزة إلى الملك بتولميس الخامس، من أجل إعفائه المعابد من بعض الرسوم.
ممكن يعجبك: وزير التعليم يزور مواقع إنشاء مدارس جديدة في المرج
يحتوي النص على اللوحة، على الرغم من تحطم بعض أجزائها قبل اكتشافها، على ثلاثة نصوص مختلفة، العلوي منها يتكون من 14 سطرًا بالهيروغليفية، والأوسط 32 سطرًا بالديموطيقية، والأسفل 53 سطرًا باليونانية القديمة.
النص منقوش بلغتين وثلاثة خطوط مع بعض الاختلافات الطفيفة، وقد تم عرض لوحة رشيد الحجرية في المتحف البريطاني منذ عام 1802، وتُعتبر الأثر الأكثر زيارة في المتحف.
ويشير الشماع إلى أن الاسم الأصلي للملك هو “بتولميس” (PTOLMYS) وليس “بطليموس” أو “بطلميوس”، وذلك وفقًا للخرطوش الهيروغليفي الملكي الأصلي، وكان عمر شامبليون، الذي فك رموز الهيروغليفية بفضل هذا الحجر، حوالي 9 سنوات فقط وقت اكتشافه.
لوحة المجاعة: خدعة كهنوتية أم حقيقة تاريخية؟
بينما نحتفل بذكرى اكتشاف حجر رشيد، تبرز لوحة أخرى تثير الجدل في تاريخ مصر القديمة، وهي لوحة المجاعة الحجرية الموجودة أعلى تل في جزيرة سهيل بأسوان.
ووفقًا للشماع، تشير دراسات حديثة، بما في ذلك دراسة للدكتور رشدي سعيد، الجيولوجي المتخصص، في كتابه الموسوعي “نهر النيل نشأته واستخدام مياهه في الماضي والمستقبل”، إلى أن متوسط ارتفاع النيل في عهد الملك جسر (زوسر) كان أكثر من مترين.
هذا الاكتشاف دفع الدكتور رشدي سعيد إلى رفض ما جاء في لوحة المجاعة بشأن حدوث مجاعة استمرت 7 سنوات في زمن الملك جسر أو زوسر، إبان الأسرة الثالثة، كحقيقة تاريخية، ويتساءل سعيد كيف يمكن أن تحدث مجاعة ويدون عنها في عصر البطالمة، بينما متوسط ارتفاع النيل الموثق في ذلك العصر لم يكن ليؤدي إلى مجاعة أو جفاف؟
مفاجآت في النقوش القديمة
وأكد المؤرخ بسام الشماع على ضرورة عدم تصديق كل ما كُتب في الأزمنة القديمة، خاصة ما يتعلق بالحاكم والكهنة والبلاط الملكي، وعدم بناء نظريات تاريخية وهمية عليها.
فلوحة المجاعة، وفقًا للنص البطلمي، تحكي قصة ظهور المعبود الأسطوري “خنوم” لإيمحتب في المنام ليخبره بإعادة المياه لنهر النيل وإنهاء الجفاف والمجاعة، وبعد ذلك، يصدر الملك مرسومًا يأمر فيه بترميم معبد خنوم وتقديم القرابين له، ويمنح معبد خنوم في إلفنتين المنطقة الواقعة بين أسوان وتاتشومبسو بكل ثرواتها، بالإضافة إلى حصة من جميع الواردات التجارية من النوبة.
لوحة المجاعة: مؤامرة كهنوتية؟
تشير اللغة والتخطيط المستخدمان في نقش لوحة المجاعة إلى أنها تعود إلى العصر البطلمي، وربما في عهد الملك بتولميس الخامس (205 – 180 قبل الميلاد)، ويعتقد علماء المصريات، مثل ميريام ليشثيم وفيرنر فيسيشل، أن كهنة خنوم المحليين هم من كتبوا هذا النص خلال العصر البطلمي، حيث تنافست الجماعات الدينية المختلفة على السلطة والنفوذ في مصر.
لذا، فمن المحتمل أن تكون قصة لوحة المجاعة قد استُخدمت كوسيلة لإضفاء الشرعية على سلطة كهنة خنوم على منطقة إلفنتين، والحصول على مكاسب من الملك لصالحهم، مما يرجح أن لوحة المجاعة لم تكن تنقل قصة واقعية حقيقية، بل كانت خدعة كهنوتية.