لم تكن أكبر سرقة مصرفية في العالم مجرد جريمة عادية، بل حدثت في ظروف استثنائية وملابسات مشبوهة، مما جعلها واحدة من أعقد القضايا الغامضة حتى اليوم، سواء من حيث تفاصيلها أو تقدير قيمة الأموال المنهوبة، وسط اتهامات طالت جهات كبرى، بما في ذلك اثنان من أبرز أجهزة الاستخبارات العالمية.

اقرأ كمان: اشتباكات عنيفة وغارات إسرائيلية تثير الفوضى في السويداء
ستة أيام من الغموض.. سرقة بنك بيروت: عملية سرية أم لعبة استخبارات؟
تعود الواقعة إلى يناير 1976، في قلب العاصمة اللبنانية بيروت، التي كانت تعيش أجواءً مشتعلة بفعل الحرب الأهلية، وكان الهدف هو بنك الشرق الأوسط البريطاني “BBME” الواقع في شارع البنوك، بالقرب من البرلمان وساحة المدينة، داخل منطقة تحولت إلى خط تماس ساخن بين أطراف النزاع.
بينما كان البنك خاليًا من موظفيه بعد تعرضه والمباني المجاورة لقصف عنيف، وقعت العملية، ففي 20 يناير، اقتحمت مجموعة مسلحة مزودة بأسلحة رشاشة وقذائف هاون، قيل إن بعضها إسرائيلي الصنع، مقر البنك، وبدأت عملية اقتحام معقدة استمرت أربعة أيام لفتح الخزنة المحصنة، ووفقًا لروايات، لجأ منفذو العملية إلى تفجير جدار تابع لكنيسة سانت لويس الملاصقة للبنك للوصول إلى الخزنة.
اختلاف التقديرات حول حجم المسروقات
لاحقًا، ظهرت تقارير تشير إلى استعانة منفذي العملية بمحترفين من مافيا كورسيكا لفتح الخزنة، ربما بهدف التمويه أو تضليل التحقيقات، وبعد ستة أيام داخل البنك، استولى المهاجمون على مبالغ ضخمة قُدّرت لاحقًا بين 250 و600 مليون دولار (بقيمة اليوم)، شملت عملات أجنبية وسبائك ذهبية ومجوهرات وأوراق مالية وسندات، قبل أن ينسحبوا بكل هدوء دون أي مواجهة.
ورغم اختلاف التقديرات حول حجم المسروقات، تواصل موسوعة “جينيس” تصنيف العملية كأكبر سرقة مصرفية في التاريخ، لكن ما زاد من تعقيد القضية هو استيلاء اللصوص أيضًا على وثائق بريطانية سرية، تكشف خفايا تمويل الميليشيات خلال الحرب.
أصابع الاتهام لم تستثنِ أحدًا: من ميليشيات الحرب الأهلية إلى المافيا الصقلية، وصولًا إلى الموساد الإسرائيلي، بل وحتى قوات خاصة بريطانية قيل إنها نفذت العملية لاستعادة تلك الوثائق، ومع ذلك، لم يظهر دليل حاسم، ولا حتى أثر للمسروقات أو الجناة
مقال له علاقة: غارة إسرائيلية تستهدف سيارة عنصر من «فيلق القدس» في جنوب لبنان
ورجحت التكهنات أن تكون المستندات والمجوهرات قد بيعت في السوق السوداء أو أعيدت لأصحابها مقابل فدية، بينما هُرّبت الأموال إلى مصارف سويسرية أو ربما أعيدت سرًا إلى لندن.
إحدى الروايات المثيرة ذهبت إلى أن العملية برمتها لم تكن سوى غطاء لعملية بريطانية سرية، جرى خلالها نقل أصول البنك المالية من بيروت إلى لندن، مستغلة حالة الفوضى.
بعد ما يقارب نصف قرن، لا تزال هذه السرقة لغزًا بلا حل، وقد لا يُكشف سره أبدًا، خاصة أن كثيرًا ممن تورطوا في هذه القضية، إن صحت الروايات، إما رحلوا عن العالم أو فضلوا الصمت لأسباب “وجيهة وخطيرة”، بحسب توصيف بعض الخبراء.