في وقتٍ أعلنت فيه جهات محلية ودولية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في سوريا، لا تزال المعارك مشتعلة في محيط المدينة، مع استمرار الخروقات من قبل الفصائل المسلحة، مما يعكس هشاشة الاتفاق وغياب الضمانات الفعلية لتطبيقه، وفق ما أفادت به مصادر محلية سورية.

مقال مقترح: أوكرانيا تشن أكبر هجوم على العمق الروسي في عملية شبكة العنكبوت
ووفق تلك المصادر، فقد عبرت الفصائل المحلية في السويداء عن التزامها الكامل ببنود وقف إطلاق النار، ولكن المقابل لم يكن بالمستوى نفسه، إذ تجاهلت بعض التشكيلات العشائرية المسلحة الدعوات الرسمية والشعبية للانسحاب ووقف القتال، رغم البيانات الواضحة التي صدرت عن الرئاسة الانتقالية السورية وشيوخ العشائر، الذين طالبوا أبناءهم بالانضباط والانسحاب من نقاط الاشتباك.
بين التفاهمات والواقع الميداني
تضيف المصادر أن فصائل السويداء، رغم التزامها، اضطرت للرد على مصادر النيران لحماية مواقعها، وفي الوقت ذاته وجهت نداءات لوجهاء المنطقة للتواصل مع الدول الراعية للاتفاق لوقف الخروقات التي تهدد بانهياره التام.
وفي الوقت نفسه، كشفت المصادر تفاصيل الاتفاق الذي أشار إليه المبعوث الأمريكي إلى سوريا توم باراك، والذي تم التوصل إليه بموافقة كل من الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بدعم مباشر من الولايات المتحدة، بالإضافة إلى دعم إقليمي من تركيا والأردن ودول مجاورة أخرى.
وينص الاتفاق، بحسب تلك التفاصيل، على نشر حواجز تابعة للأمن العام التابع لوزارة الداخلية في الحكومة الانتقالية السورية، في محيط الحدود الإدارية لمحافظة السويداء كإجراء وقائي لاحتواء التوتر، ومنع التسلل، والسيطرة على خطوط التماس.
كما تضمن الاتفاق فرض حظر مؤقت لمدة 48 ساعة على دخول أي طرف إلى القرى الحدودية، لإتاحة المجال أمام تموضع القوات الأمنية، وتجنب حدوث مفاجآت عسكرية قد تعيد إشعال المواجهات.
ضوابط مشددة وتحذيرات من التصعيد
اشتمل الاتفاق على بند يمنع مقاتلي فصائل السويداء من مغادرة حدود المحافظة الإدارية، محذرًا من أي تحركات قتالية أو استفزازية قد تفسر كخرق للهدنة، حيث إن أي خرق يُنسب حصريًا للطرف المنفذ له دون تعميم المسؤولية على باقي القوى المنخرطة في الاتفاق.
وفي خطوة تهدف إلى خفض التوتر، سمح الاتفاق لمن تبقى من أبناء العشائر المتواجدين في السويداء بالخروج الآمن، شريطة أن يتم ذلك تحت مرافقة أمنية من الفصائل المحلية.
كما تم تخصيص معابر للحالات الطارئة والإنسانية عبر منطقتي بصرى الشام وبصرى الحرير، واللتين تقعان إداريًا في محافظة درعا قرب حدود السويداء الغربية والشمالية الغربية.
اتفاق بلا محاسبة على التجاوزات
ورغم ما يبدو عليه الاتفاق من تنظيم ميداني، إلا أنه بحسب المصادر لا يتضمن أي آلية واضحة للمساءلة أو ضمانات للمحاسبة في حال وقوع تجاوزات من أحد الأطراف، وهو ما اعتبرته المصادر أحد أبرز نقاط الضعف في الاتفاق، مشيرة إلى أن غياب الإطار القانوني وهيئات المراقبة يجعل من الاتفاق مجرد تهدئة هشة لا أكثر.
مقال له علاقة: ترامب لم يحسم قراره بشأن توجيه ضربات أمريكية لإيران وفقاً لوول ستريت جورنال
وخلصت إلى أن “العدالة هي الغائب الأكبر” في ظل غياب نظام رقابي محايد، ما يفتح الباب واسعًا أمام إمكانية تكرار الخروقات والعودة إلى مربع العنف في أي لحظة.
السويداء.. مختبر سياسي لتوازنات الجنوب
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي مهند الحاج في حديث صحفي أن اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء لا يمكن فصله عن مشهد أعقد يتبلور في جنوب سوريا، حيث تعيش المنطقة حالة من إعادة تشكيل النفوذ بعد سقوط النظام السابق، وسط فراغ سيادي تحاول قوى محلية وإقليمية ملؤه بترتيبات غير معلنة.
ويضيف الحاج أن إسرائيل تنسق أمنيًا، والولايات المتحدة الأمريكية تدير دبلوماسيًا، والأردن يتابع التطورات على حدوده الشمالية بحذر بالغ، في حين تسعى السلطة السورية الانتقالية إلى الحفاظ على موطئ قدم رمزي من خلال صفقات محلية مع الزعامات الروحية.
ولفت إلى أن محافظة السويداء باتت نموذجًا لما سماه “اللامركزية التفاوضية غير المعلنة”، حيث تدير شؤونها الأمنية والخدمية بصورة مستقلة نسبيًا، ولكن دون الخروج من الإطار الوطني العام أو السعي للانفصال، بل نتيجة فراغ أمني مستمر، وحاجة المجتمعات المحلية إلى حماية ذاتية ضمن توازن معقد بين الأمن والسيادة.
جنوب سوريا على صفيح تفاهمات ميدانية
وأشار الحاج إلى أن السويداء ليست الوحيدة في هذا السياق، فجنوب سوريا بأكمله يشهد تشكيلًا لنمط جديد من الترتيبات الأمنية تُنسج خيوطه عبر مفاوضات خلف الكواليس، واتصالات غير مباشرة بين اللاعبين المحليين والدوليين.
ومع غياب مرجعية سياسية شاملة لتنظيم هذه التفاهمات، فإن الجنوب السوري مرشح لمزيد من الاتفاقات الجزئية، التي قد تؤسس لأشكال جديدة من الحكم المحلي، وربما تفتح الطريق لاحقًا أمام تحولات أوسع في بنية الدولة السورية ووظائفها، ضمن مشهد إقليمي لم تكتمل ملامحه بعد.