بعد عام مليء بالتحديات، تمر البلاد بأزمات متراكمة في قطاع الطاقة، حيث بدأت ملامح ما يشبه “كشف الحساب” لقطاعي البترول والكهرباء بالظهور، وتتداخل التشابكات المالية المزمنة مع فجوات في الإنتاج المحلي، بينما تواصل الحكومة جهودها لضبط الاستهلاك وتوفير الإمدادات في ذروة الطلب.

من نفس التصنيف: أسعار الخضروات في الأسواق اليوم الأحد 20 يوليو 2025
في هذا التقرير، نستعرض بالأرقام والتحليل كيف تعاملت الحكومة مع أزمات الوقود والغاز والكهرباء، وما تم اتخاذه من قرارات في ظل محدودية الموارد، وتأخر سداد مستحقات ضخمة تهدد استقرار قطاع الطاقة برمته، كما نسلط الضوء على تطورات ملف الدعم، والاستثمارات المتعثرة، والانفراجة الجزئية في الإنتاج، والمقارنات المثارة بين أداء الوزراء المعنيين، في محاولة لفهم ملامح المرحلة المقبلة.
إنتاج الغاز: تحسن محدود وسط أزمة ممتدة
كشف مصدر مسؤول بقطاع البترول أن الإنتاج المحلي من الغاز الطبيعي شهد تحسنًا محدودًا خلال العام الجاري، حيث ارتفع من 3.5 مليار قدم مكعب يوميًا – وهو الرقم المتوقع في ظل تراجع الاستثمارات – إلى 4.2 مليار قدم مكعب يوميًا، وأرجع هذا التحسن إلى دخول حوالي 700 مليون قدم مكعب من الغاز إلى الشبكة نتيجة ربط مشروعات جديدة، بعضها تم تفعيله خلال الأسابيع الأخيرة.
ورأى المصدر أن هذا التحسن لا يمكن وصفه بالإخفاق، بل يُعد مؤشرًا إيجابيًا على بدء تحرك الشركاء الأجانب في تنمية بعض الحقول، سواء القديمة أو الجديدة، دون الحاجة إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية.
رقمنة الاستكشاف ودعم القرارات الاستثمارية
أكد المصدر أن المنظومة الرقمية الخاصة بالبحث والاستكشاف تم تفعيلها بنسبة 100%، مما أتاح للمستثمرين الاطلاع على البيانات الجيولوجية بسهولة عبر منصات وزارة البترول والشركات القابضة، دون الحاجة إلى وسطاء أو زيارات ميدانية، وهو ما اعتبره تطورًا كبيرًا في كفاءة اتخاذ القرار الاستثماري.
فجوة بين الإنتاج والاستهلاك.. والاستيراد يحمل الدولة أعباءً متزايدة
أشار المصدر إلى أن حجم الطلب على الغاز خلال الصيف يتجاوز 6.5 مليار قدم مكعب يوميًا، بينما لا يتجاوز الإنتاج المحلي 4.2 مليار، ما يضطر الدولة للاعتماد على الغاز المستورد عبر ثلاث وحدات لإعادة التغييز، بالإضافة إلى الغاز القادم من إسرائيل، ما يُشكّل عبئًا ماليًا إضافيًا على الموازنة العامة.
وأضاف: “نستورد اليوم ما لا يقل عن ملياري قدم مكعب يوميًا، بتكلفة ضخمة يصعب وصفها بالاقتصادية، خاصة في ظل تقلبات الأسعار العالمية وضغوطات سعر الصرف”.
من نفس التصنيف: استقرار سعر الذهب اليوم 30/6/2025 والجنيه بـ 36800 للبيع
مستحقات متأخرة وتشابكات تعطل الأداء
أوضح المصدر أن تأخر تحصيل مستحقات قطاع البترول لدى عدد من الجهات الحكومية، وفي مقدمتها وزارة الكهرباء، يمثل عائقًا كبيرًا أمام استقرار القطاع، حيث تبلغ مديونيات الكهرباء وحدها أكثر من 350 مليار جنيه (نحو 7 مليارات دولار)، ولو تم سداد جزء منها، لأمكن للوزارة سداد مستحقات الشركاء الأجانب وضمان استمرارية الإنتاج.
واعتبر أن هذا الوضع يعكس “فشلًا حكوميًا مشتركًا” في إدارة التشابكات المالية، داعيًا إلى ضرورة وضع آلية مركزية تنهي هذه الأزمة الممتدة منذ سنوات.
أزمة الأسمدة وارتفاع الأسعار في السوق
تحدث المصدر عن تداعيات انقطاع الغاز عن مصانع الأسمدة لمدة ثلاثة أسابيع، ما أدى إلى توقف التصدير وخسارة إيرادات دولارية مهمة، ورفع أسعار الشكارة المدعمة من 300 إلى أكثر من 800 جنيه في السوق السوداء، رغم أن تكلفة إنتاجها الحقيقية تفوق 220 دولارًا للطن، بينما تُباع للقطاع الزراعي المحلي بـ120 دولارًا فقط.
دعم الوقود: أرقام يومية مرعبة
بحسب المصدر، يصل دعم المنتجات البترولية إلى نحو مليار جنيه يوميًا، تشمل السولار والبنزين والبوتاجاز، في حين يُستورد ما يقارب 50% من احتياجات البلاد من السولار يوميًا، بكمية تقترب من 40 ألف طن، وهو ما يكلف الخزانة العامة حوالي 750 مليون جنيه يوميًا.
العدادات المسبقة والسعي لضبط الاستهلاك
أشاد المصدر بتوسيع استخدام العدادات مسبوقة الدفع في الكهرباء والغاز والمياه، باعتبارها وسيلة فعالة لترشيد الاستهلاك والسيطرة على الفاقد، الذي يصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 30%، وهو ما يفوق المعدلات العالمية بكثير.
البنية التحتية للكهرباء تواجه التقادم
لفت المصدر إلى أن قطاع الكهرباء يعاني من تهالك كبير في شبكات النقل ومحولات التوزيع، مما يجعل ضخ الكهرباء للمستهلك النهائي تحديًا حتى في حال توافر الوقود، وأضاف: “شهدنا خلال الفترة الأخيرة حوادث حريق في محطات محولات رئيسية نتيجة التقادم، ما يعكس الحاجة العاجلة لتحديث البنية التحتية”.
دمج قطاعات الطاقة ضرورة ملحّة
اختتم المصدر تصريحاته بدعوة الحكومة إلى إعادة هيكلة ملف الطاقة بالكامل، إما بدمج وزارتي البترول والكهرباء في وزارة واحدة للطاقة، أو بإنشاء وزارة مستقلة للطاقة المتجددة، بما يضمن وحدة القرار وتسريع الحلول، وقال: “حين توضع جميع الديون والتحديات في ملف واحد، يمكن التفكير بشكل متكامل في كيفية حلها”.