ذكرت صحيفة فايننشال تايمز أن محافظة السويداء في جنوب سوريا شهدت في الأيام الأخيرة واحدة من أشد موجات العنف منذ انتهاء الحرب الأهلية التي بدأت عام 2011، حيث أسفرت الاشتباكات بين مقاتلين من الطائفة الدرزية وقبائل بدوية عن مقتل أكثر من 500 شخص، وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، وتدخلت القوات الحكومية السورية لمحاولة احتواء الوضع، لكنها سرعان ما واجهت مقاومة من فصائل درزية مسلحة، مما زاد من حدة التوترات وأدى إلى تدخل إسرائيلي مباشر، مما عكس تعقيد المشهد أكثر.

شوف كمان: تقرير الأمم المتحدة يكشف العلاقة بين حكومة الشرع وتنظيم القاعدة
تأتي هذه الأحداث في وقت يسعى فيه الرئيس السوري أحمد الشرع إلى فرض سيطرته على التشكيلات المسلحة المتبقية من فترة الحرب، لكن محاولاته واجهت مقاومة شديدة من المجتمع الدرزي في السويداء، الذي لطالما احتفظ باستقلال نسبي من خلال ميليشيات محلية، رغم أن العديد من أبنائه شاركوا في صفوف الجيش النظامي.
الدروز في بلاد الشام
تُعتبر الطائفة الدرزية واحدة من أكثر الأقليات الدينية سرية في المنطقة، حيث تنتشر في سوريا ولبنان وإسرائيل، ويُقدّر عدد أفرادها عالميًا بحوالي مليون نسمة، وأكثر من نصفهم يقيم في سوريا، يتميز الدروز بعقيدة دينية مغلقة تعود جذورها إلى القرن الحادي عشر، تمزج بين الفلسفة اليونانية والهندوسية والأفلاطونية، وتُتاح نصوصها الدينية فقط لنخبة محددة من أبناء الطائفة.
يعتمد الدروز مبدأ الولاء للدولة التي يعيشون فيها كوسيلة للبقاء، مما دفعهم إلى اتخاذ مسارات سياسية مختلفة في كل من سوريا ولبنان وإسرائيل، مع الحفاظ على روابط عابرة للحدود تستند إلى القرابة والتاريخ المشترك والحماية المتبادلة.
ممكن يعجبك: رئيس بلدية هيروشيما يوضح لترامب معنى القنبلة الذرية
وفي تصريح خاص، قال الكاتب والشاعر الدرزي السوري فادي عزام، الذي غادر السويداء خلال الحرب: “لقد نجونا في واحدة من أكثر بقاع العالم عنفًا لأن لدينا فلسفة عميقة تدعو إلى الحذر والبقاء، وهذه الفلسفة أنقذتنا”.
الدروز في إسرائيل
يعيش نحو 145 ألف درزي في إسرائيل، وقد أثارت الأحداث الأخيرة موجة من الاحتجاجات الداخلية، حيث أقدم مئات الأشخاص على قطع الطرقات وتنظيم مظاهرات، بل حاول بعضهم العبور إلى داخل سوريا، وفي رد فعل على تصاعد التوتر، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي غارات استهدفت مواقع في العاصمة السورية دمشق، معلنًا تضامنه مع الدروز، رغم معارضة العديد من دروز سوريا لهذا التدخل.
وأشار الباحث والمؤرخ الإسرائيلي الدرزي رضا منصور إلى أن الطائفة تعيش اليوم وضعًا بالغ الحساسية، قائلًا: “الدروز الآن بين المطرقة والسندان، وفلسفتنا كانت دائمًا الولاء للدولة من أجل البقاء، لكن في السويداء، يبدو أن لهذه المقاربة حدودًا”.
بينما تسود حالة من الترقب والهدوء الحذر بعد إعلان وقف إطلاق نار هش، لا تزال المشاهد في شوارع السويداء تعكس حجم الدمار، حيث أفاد شهود عيان بأن الدبابات المحترقة والركام تنتشر في الطرقات، بينما يخرج السكان من منازلهم لتفقد الأضرار بعد أيام من الحصار والخوف.
وأضاف عزام بأسى: “اليوم هو يوم مؤلم، والمشاعر ما تزال طازجة، نحن نعيش لحظة فاصلة في تاريخ طائفتنا، وربما في تاريخ المنطقة كلها”.
اضطهاد الدروز في عهد الدولة العثمانية وأديب الشيشكلي
يعيد هذا التصعيد إلى الأذهان فصولًا من الاضطهاد التاريخي الذي تعرض له الدروز، بدءًا من حملات الدولة العثمانية وصولًا إلى قصف بلداتهم في خمسينيات القرن الماضي على يد الرئيس السوري الأسبق أديب الشيشكلي، وهي أحداث أسست لعقيدة درزية محورها الاعتماد على النفس والدفاع المسلح عند الضرورة، ورغم هذه الخلفية، لا يزال مستقبل الطائفة في سوريا والمنطقة يكتنفه الغموض وسط تغيّرات إقليمية متسارعة وتحولات في ميزان القوى.