أفادت الدكتورة أريج جبر، أستاذة العلوم السياسية والخبيرة في الشأن الفلسطيني، بأن ما يجري في منطقة دير البلح بقطاع غزة ليس مجرد تحرك عسكري منفصل، بل هو جزء من استراتيجية إسرائيلية شاملة تهدف إلى تقويض مقومات الحياة في القطاع، وإعادة تشكيل معالمه الجغرافية والديموغرافية والسياسية بما يتماشى مع الرؤية الإسرائيلية لحل الصراع، والتي تقوم على أساس “لا دولة، لا تواصل جغرافي، لا قطاع موحد”، مما يؤدي إلى خلق كيان فلسطيني محاصر في مناطق سكانية ممزقة.

مقال له علاقة: إسماعيل بقائي يكشف: إسرائيل استخدمت أسلحة أمريكية في هجومها على إيران
وأشارت الدكتورة أريج جبر في تصريح خاص لموقع خبر صحإلى أن عودة لواء جولاني الإسرائيلي إلى الميدان في دير البلح، كما نقلت وسائل الإعلام العبرية، ليست تحركاً عشوائياً، بل تأتي في إطار مخطط استراتيجي يسعى إلى فرض وقائع جديدة على الأرض، تشمل أربعة متغيرات رئيسية: الجغرافيا، الديموغرافيا، السياسة، والميدان العسكري.
المتغير الجغرافي
ذكرت جبر أن إسرائيل تسعى من خلال التصعيد في دير البلح إلى تفتيت الجغرافيا الفلسطينية، عبر تقطيع أوصال القطاع وفصل شماله عن جنوبه، وعزل المناطق الساحلية عن الامتداد الشرقي، وهو ما يمثل محاكاة واضحة لما قامت به في الضفة الغربية والقدس، مضيفة أن المخطط يشمل إنشاء محور تقسيمي جديد في منطقة الوسط، مما يمنع مستقبلاً أي إمكانية لتوحيد القطاع جغرافياً أو إقامة كيان فلسطيني متماسك.
المتغير الديموغرافي
وأشارت جبر إلى أن إسرائيل تتبع سياسة “الهندسة السكانية”، من خلال استهداف المناطق المكتظة بالسكان مثل دير البلح، لدفع المدنيين إلى النزوح القسري في ظل انعدام الملاذات الآمنة، وهو ما يؤدي إلى تفريغ ديموغرافي مقصود، يهدف إلى تحويل مناطق معينة إلى مناطق عازلة أو مفرغة أمنياً.
المتغير السياسي.
ورأت جبر أن العمليات الإسرائيلية الأخيرة تُجهض أي أمل في تحقيق تسوية سياسية عادلة أو إقامة دولة فلسطينية، إذ أن تقويض وحدة الجغرافيا وتفتيت النسيج السكاني يسهمان مباشرة في قتل فكرة تقرير المصير وتحويل مشروع الدولة إلى حلم بعيد المنال.
المتغير الميداني العسكري
أكدت أستاذة العلوم السياسية أن عودة لواء “جولاني”، أحد أبرز أذرع النخبة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، تشير إلى رغبة الاحتلال في فتح جبهة جديدة في وسط القطاع بعد فشله في حسم المواجهات في الشمال والجنوب، لافتة إلى أن هذا التحرك قد يكون محاولة لخلق نقطة خنق للمقاومة واستنزافها ميدانياً في أكثر من محور.
مقال له علاقة: إسرائيل تعلن القبض على طفل متهم بالتجسس لصالح إيران بعد طلب تصوير القبة الحديدية
وأضافت أن الهدف الإسرائيلي من هذه العمليات لا يقتصر على المكاسب العسكرية، بل يمتد إلى صناعة “نصر معنوي وهمي” يتم تسويقه للرأي العام العبري، من خلال ذرائع مثل وجود محتجزين إسرائيليين أو مزاعم بوجود بنى تحتية للمقاومة في دير البلح.
ضرب الحاضنة الشعبية واستنزاف الصمود
وشددت على أن الاحتلال يسعى كذلك إلى استهداف الحاضنة المجتمعية للمقاومة، من خلال استخدام أدوات القصف والتجويع والتضييق الإنساني، لدفع السكان نحو النزوح القسري، وخلق بيئة من السخط الشعبي قد تُترجم لاحقاً إلى شرخ داخلي يُضعف الجبهة الداخلية.
وقالت: “دير البلح ليست مجرد ساحة عمليات، بل ورقة ضغط سياسية وعسكرية، تحاول إسرائيل من خلالها فرض تهدئة من موقع القوة، أو ابتزاز المقاومة لتقديم تنازلات تحت الضغط الإنساني والمعيشي”.
رسالة ميدانية مضللة من الاحتلال
وأكدت أن عودة لواء جولاني إلى دير البلح ليست إعادة انتشار بقدر ما هي محاولة لإحياء “مشاهد الاجتياح” التي يستخدمها الاحتلال لترويج صورة قوة ميدانية مهزوزة، مشددة على أن هذا العدوان يعكس مأزقاً عميقاً للاحتلال، وليس قدرة حقيقية على الحسم.
واختتمت الدكتورة أريج جبر، أستاذة العلوم السياسية والخبيرة في الشأن الفلسطيني، قائلة: “إسرائيل فشلت في كسر إرادة غزة وفي فرض معادلة تهدئة وفق شروطها، وكل ما تفعله الآن هو اجترار مشاهد الموت والدمار، على أمل أن تغيّر شيئاً من الواقع، لكن الميدان يؤكد أن غزة ما زالت صامدة، وأن المعادلة تتشكل بالصمود الشعبي لا بالقصف فقط”.