يشهد قطاع غزة واحدة من أسوأ الأزمات في تاريخه، حيث تعاني المنطقة من مجاعة خانقة تفوق كل ما تم تسجيله سابقًا، وسط صرخات الأطفال الجائعين، وأنين الأمهات العاجزات، ووجوه الشيوخ التي تبرز عظامها تحت الجلد، يعيش سكان غزة أيامهم في عزلة تامة عن العالم، في ظل غياب كامل للماء، وندرة حادة في الغذاء، وانعدام شبه كامل للدواء.

مقال له علاقة: وزارة السياحة السورية تفرض ارتداء البوركيني على الشواطئ للنساء حفاظًا على الحشمة
في غزة، لا حاجة للقنابل لتزهق الأرواح، يكفي أن تتأخر شاحنة دقيق، أو أن تُغلق نقطة توزيع، أو أن يبكي رضيع بلا حليب في حضن أم أنهكها الجوع، في الأزقة المحطمة والمستشفيات المزدحمة، يتسلل الموت في صمت، يختبئ في بطون الأطفال الفارغة، وفي أكف الأمهات المرتجفة، وفي عيون الرجال الذين فقدوا القدرة على إطعام أسرهم.
ما تعيشه غزة اليوم ليس مجرد نقص في الغذاء، بل انعدام في الحد الأدنى من الحياة، مجاعة تتشكل ملامحها على وجوه الضعفاء يومًا بعد يوم، وسط حصار خانق، وغياب تام للعدالة، وانهيار المنظومات الإنسانية.
الجوع هناك لا يقتل فقط، بل يُذلّ، ويعرّي النظام العالمي من إنسانيته، بينما يصارع مليونان ونصف من البشر للبقاء على قيد الحياة، يقف العالم متفرجًا وصامتًا، وربما متواطئًا.
وفي التقرير التالي، نقدم لكم قصصًا إنسانية من داخل غزة تحكي معاناة شعب كافح بفخر أمام عدو محتل استغل حاجة شعب صامد للغذاء والماء والدواء، إنها وجوه شاحبة تنطق بالألم، وكلمات مكسورة تحكي حكاية الجوع والحصار، في وقت يصم فيه العالم أذنه عن معاناة شعب بأكمله يُدفع إلى الهلاك بصمت.
الجوع ينهش أهل غزة.
القصة الأولى
عندما استعاد عبد خضر وعيه في أحد ممرات مستشفى غزة، لم يتذكر أين أغمي عليه، الشيء الوحيد الذي يعرفه أنه كان يفتّش عن دقيق، الخياط البالغ من العمر 62 عامًا، بلا عمل منذ عامين، ويعيل 13 فردًا من أسرته، تحولوا جميعًا إلى أرقام داخل قائمة المليونَي فلسطيني الذين يواجهون الجوع المزمن.
كان يترك كسرة خبز لابنته ويخرج في الصباح بحثًا عن أي شيء، تقول شقيقته سهى من جوار سريره “حتى لو كان يملك المال، لا يوجد ما يشتريه، لا بائعين، لا دقيق، فقط الجوع.”.
الجوع ينهش أهل غزة.
القصة الثانية
في مستشفى الشفاء، يرقد محمد السويركي (42 عامًا) على سريرٍ متواضع، يتلقى محاليل وريدية بعد أسبوع دون لقمة طعام، يقول بصوت واهن “كان وزني 123 كيلوجرامًا، اليوم وزني 72 فقط، كل هذا بسبب الجوع، نحن نموت ببطء”.
قصته تتكرر كل يوم داخل المستشفيات التي اكتظّت بضحايا الجوع أكثر من ضحايا القصف.
مقال مقترح: مقتل 3 جنود إسرائيليين وإصابة آخرين جراء استهداف سيارة عسكرية في جباليا شمال غزة
الجوع ينهش أهل غزة.
أطفال يموتون في أحضان الأمهات
في خان يونس، توفي رضيع يبلغ من العمر 3 أشهر بسبب سوء تغذية حاد وجفاف، وتقول الدكتورة فداء النادي، طبيبة الأطفال في مستشفى ناصر “فقدنا 73 طفلًا خلال شهر واحد فقط، فالأمهات لا يملكن حتى القدرة الجسدية لإرضاع أطفالهن.”.
أما الأم الثكلى آلاء النجار، فتقول باكية “لم أكن أملك إلا الماء وشاي الشمر، لا حليب، لا غذاء.. فقد مات بين يدي.”.
الموت على بوابات الإغاثة
رغم دخول قوافل الإغاثة تحت إشراف القوات الإسرائيلية، يُقتل المدنيون أثناء محاولتهم الحصول على الطعام، 85 شخصًا فقدوا حياتهم يوم الأحد فقط في نقاط التوزيع، ما دفع 26 دولة إلى إدانة نموذج المساعدات “الخطير والمهين” الذي يتبعه الاحتلال، لكن إسرائيل ردت على الانتقادات قائلةً إن هذه التصريحات “منفصلة عن الواقع”.
الجوع ينهش أهل غزة.
رغيف بـ30 جنيه استرليني.. وأسواق ينهشها الجوع والاحتكار
من جهته، يصف وليد أبو حطب، وهو أب لسبعة أطفال، معاناته بعد حصوله على كيس دقيق أخيرًا “ركضت وسط الجموع، أمسكت بالكيس وعدت إلى خيمتي، مرّ أكثر من 15 يومًا منذ أن ذقنا طعم الخبز.”.
وأضاف أبو حطب “يُباع كيلوجرام الدقيق الآن بما يعادل 30 جنيهًا إسترلينيًا، وكيلو السكر وصل إلى 300 شيكل، التجار يخفون بضائعهم، والمحتكرون ينهشون ما تبقى من كرامة الناس.”.
وتقول سهى خضر “لا يوجد نظام، الأقوى فقط ينجو، النساء والمرضى لا يستطيعون الوصول إلى المساعدات، فقد تحول الجوع إلى ظلم آخر، كما أن الضعفاء في غزة هم الأكثر تضررًا، والمشهد اليوم بات صراعًا من أجل البقاء لا يرحم.”.
أسبوع أخير قبل كارثة تاريخية
إن لم يتحرك المجتمع الدولي فورًا، فقد تسجّل غزة في كتب التاريخ كأول منطقة يموت فيها مليون إنسان جوعًا في أقل من أسبوع دون إطلاق رصاصة واحدة.