حرب الممرات تشتعل بين إسرائيل وتركيا في قلب الجنوب السوري

أثارت الأحداث الدامية الأخيرة في محافظة السويداء ما يُعرف بـ”حرب الممرات” بين إسرائيل وتركيا، حيث يتنافس الطرفان بشكل محموم للسيطرة على الجنوب السوري، الذي تحوّل من ساحة نفوذ إيراني إلى ساحة صراع إقليمي مفتوح بين مشاريع استراتيجية متضاربة.

حرب الممرات تشتعل بين إسرائيل وتركيا في قلب الجنوب السوري
حرب الممرات تشتعل بين إسرائيل وتركيا في قلب الجنوب السوري

ووفقًا لتقرير نشرته مجلة ذا كاردل الكندية، تتصارع في المنطقة رؤيتان جيوسياسيتان متنافستان: الأولى تركية تُعرف بـ”طريق التنمية”، وهو مشروع يهدف إلى نقل البضائع من البصرة إلى الحدود التركية ثم إلى أوروبا، والثانية إسرائيلية تُعرف بـ”خط السلام”، التي تهدف إلى ربط دول المنطقة عبر الأردن بميناء حيفا

السويداء من الهامش إلى قلب المعركة

لطالما اعتُبرت السويداء ذات الأغلبية الدرزية محافظة هامشية، لكن موقعها الاستراتيجي جعلها نقطة اشتعال حاسمة في هذا الصراع اللوجستي، حيث تمثل بوابة محتملة لطموحات أنقرة البرية، وفي الوقت نفسه تمثل تهديدًا لمشروع تل أبيب الذي يسعى لتجاوز النفوذ الإيراني والتركي.

وباتت خطوط السكك الحديدية والممرات التجارية تُعتبر “جبهات قتال”، فيما تحوّلت الطرق إلى خطوط تماس حدودية بين المشاريع المتنافسة.

رفض درزي قاطع

لكن كلا المشروعين لم يحظيا بقبول لدى القيادة الروحية للدروز في السويداء، حيث أصدر الشيوخ بيانًا شديد اللهجة رفضوا فيه استخدام محافظتهم كجسر لمشاريع خارجية تتجاهل خصوصيتهم وسيادتهم.

وقال البيان: “من يراهن على انتهاك السويداء خاسر، فمصير الجبل يُحسم في الجبل نفسه”، مؤكدين على أهمية فتح ممرات باتجاه الأردن ومناطق الشمال السوري التي تسيطر عليها “قسد”

مشروع كاتس الإسرائيلي: سلام على قضبان التجارة

في عام 2018، أعلن الوزير الإسرائيلي يسرائيل كاتس، حين كان وزيرًا للنقل، عن مشروع “سكة حديد السلام”، الذي يهدف إلى ربط دول المنطقة جنوباً وشمالاً عبر إسرائيل، ويُعتبر المشروع جزءًا من استراتيجية أمريكية أوسع ضمن خطة “صفقة القرن”، لتكريس دور إسرائيل الإقليمي من خلال البنية التحتية، وإقصاء إيران وتركيا من معادلة الربط الجغرافي.

وبالرغم من الخطاب الإيجابي الذي رافق المشروع، ترى مجلة ذا كاردل أنه يهدف عمليًا إلى “تطبيع الدور الإسرائيلي في المنطقة” من بوابة الاقتصاد والنقل.

النفوذ التركي: توسع مدروس جنوبًا وغربًا

في المقابل، دفع الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع – بدعم تركي – باتجاه تحويل السويداء إلى قاعدة نفوذ في إطار مشروع طريق التنمية، حيث نسّقت أنقرة عبر اتفاقات غير معلنة مع فصائل محلية، أبرزها “هيئة تحرير الشام”، لتعزيز وجودها جنوبًا، وربط هذا الوجود بممر استراتيجي يمتد إلى لبنان، مرورًا بمدينة طرابلس، التي تعمل تركيا على تحويل مينائها إلى بديل لميناء بيروت.

وتستند المجلة إلى معلومات تفيد بأن هذا التوسع التركي جرى بعد تفاهمات غير رسمية في العاصمة الأذربيجانية باكو، شملت شخصيات سورية وإسرائيلية، برعاية تركية غير مباشرة، تضمن عدم تهديد إسرائيل مقابل التغاضي عن التمدد التركي.

تل أبيب تلوّح بالتدخل

لكن المشروع التركي قوبل بتحذيرات إسرائيلية، حيث حذر نتنياهو من ولادة “جنوب لبنان جديد” في سوريا، ملوّحًا بالتدخل لحماية الدروز، أعقبت ذلك ضربات جوية إسرائيلية استهدفت مواقع للجيش السوري جنوب البلاد، فيما رد أردوغان بإعلانه رفض أي مشروع لتقسيم سوريا.

تقاسم “ضمني” وصراع بالوكالة

ورغم التصعيد، تستبعد المجلة أن تدخل إسرائيل وتركيا في صراع مباشر، مرجحة أن يلجأ الطرفان إلى “تقاسم ضمني للنفوذ”، عبر أدوات محلية وقنوات خلفية.

دور أمريكي “غير حاسم”

أما واشنطن، فتلعب دور “المراقب المنظِّم” وفق المجلة، حيث تحرص على ضبط التوازنات دون التدخل المباشر، وتحاول منع تفلّت تركي واسع دون استفزاز تل أبيب، ما يترك المجال مفتوحًا أمام القوى الإقليمية لرسم خرائط نفوذ جديدة على جغرافيا سورية منهكة.