على الرغم من النتائج الإيجابية التي يحققها التدريب المهني في تأهيل الشباب ودعم سوق العمل، لا يزال انتشاره في بعض المحافظات محدودًا، ولا يتناسب مع حجم البطالة المتزايدة أو احتياجات سوق العمل سواء داخل البلاد أو خارجها، بينما تُظهر نماذج ناجحة مثل مركز تدريب الخانكة في القليوبية أو البرامج المتنقلة في الصعيد إمكانية حقيقية للتغيير، يبقى السؤال: لماذا لا يتوسع التدريب المهني في مصر رغم وضوح نتائجه وفائدته؟

ممكن يعجبك: محافظ الدقهلية يراقب حملة للكشف عن تعاطي المخدرات في طريق جمصة
نماذج ناجحة.. وتأثير ملموس
في محافظة القليوبية، أطلقت مديرية العمل مؤخرًا برنامجًا تدريبيًا مجانيًا في مجال “التفصيل والحياكة” بمركز تدريب الخانكة، بمشاركة 19 فتاة، بواقع 150 ساعة تدريبية، ويأتي هذا البرنامج ضمن خطة الوزارة لتأهيل الشباب لسوق العمل، حيث سيوفر للمتدربات مهارات عملية تؤهلهن للحصول على وظائف مناسبة أو البدء في مشاريع صغيرة، مما يربط التدريب مباشرة بالتشغيل والتمكين الاقتصادي.
كما قامت مديريات أخرى، مثل مديرية العمل في الشرقية، بتنظيم دورات حول السلامة المهنية، بينما استخدمت مديرية جنوب سيناء برامج توعية بالتدريب في القطاع السياحي، في محاولة لربط التدريب باحتياجات القطاعات النشطة في كل محافظة.
اقرأ كمان: إطلاق المرحلة الثانية من «أهل الخير» لاختيار حملات الإطعام في التضامن الاجتماعي
أرقام محدودة.. وطلب أكبر من العرض
وفقًا لبيانات وزارة العمل، بلغ عدد المستفيدين من برامج التدريب المهني خلال النصف الأول من 2025 حوالي 12 ألف متدرب فقط على مستوى الجمهورية، وهو رقم يبدو متواضعًا مقارنةً بملايين الشباب الذين يبحثون عن فرصة أو مهارة.
ويرجع بعض المسؤولين هذا الرقم المتواضع إلى نقص الموارد، وضعف الحملات الإعلامية الموجهة للشباب، بالإضافة إلى النظرة النمطية السلبية تجاه التعليم الفني، التي لا تزال تشكل عائقًا نفسيًا أمام بعض الأسر.
لماذا لا يتوسع؟.. 4 أسباب رئيسية
رغم اعتراف وزارة العمل بأهمية التدريب كمسار موازٍ للتعليم الجامعي في تحقيق التنمية، إلا أن هناك عدة تحديات تعوق انتشاره بشكل واسع:
1. قلة عدد مراكز التدريب الثابتة والمتنقلة في بعض المحافظات، خاصة الريفية والنائية
2. ضعف التنسيق مع القطاع الخاص لتحديد التخصصات المطلوبة فعليًا في السوق
3. عدم استقرار التمويل المخصص للبرامج التدريبية، أو اقتصاره على تمويل موسمي من خطط استثمارية محدودة
4. ضعف الإقبال المجتمعي، خاصة من الفتيات في بعض المحافظات، بسبب العادات أو نقص الثقة في جدوى التدريب.
في انتظار خطة قومية شاملة
النجاحات الجزئية في محافظات مثل القليوبية، الغربية، والمنيا تثبت أن التدريب المهني يمكن أن يكون بوابة ذهبية لتقليص البطالة وتمكين الشباب، لكن ما زال المطلوب هو خطة قومية موحدة وشاملة، تبدأ من المدارس الإعدادية، وتُدار بالشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وتقوم على مفهوم “التدريب من أجل التشغيل”.
التدريب المهني في مصر ليس مشكلة في الإمكانيات، بل في الإرادة التنظيمية والرؤية التكاملية، فطالما بقي في حيز التجارب المحدودة، لن يؤدي دوره الحقيقي في إعادة تشكيل هيكل سوق العمل، وتحقيق التنمية المستدامة، وتمكين الشباب من بناء مستقبلهم بأيديهم.