في ذكرى رحيل “ملك الترسو” فريد شوقي الذي كتب تاريخاً ذهبياً للسينما المصرية

في مثل هذا اليوم، 27 يوليو من عام 1998، فقدت مصر والعالم العربي واحدًا من أعظم رموز الفن السابع، الفنان القدير فريد شوقي، الذي استحق بجدارة ألقابًا مثل “وحش الشاشة” و”ملك الترسو”، والتي لم تكن عشوائية، بل جاءت تتويجًا لمسيرة فنية استثنائية امتدت لعقود، وامتازت بالتنوع والثراء، ولامست قلوب الجماهير من مختلف الفئات.

في ذكرى رحيل “ملك الترسو” فريد شوقي الذي كتب تاريخاً ذهبياً للسينما المصرية
في ذكرى رحيل “ملك الترسو” فريد شوقي الذي كتب تاريخاً ذهبياً للسينما المصرية

نبذة عن فريد شوقي 

وُلد فريد شوقي في يوليو عام 1921 بحي السيدة زينب العريق بالقاهرة، حيث ساهمت الأجواء الشعبية في تشكيل وجدانه الفني، نشأ في كنف أسرة مصرية ذات أصول تركية، وكان والده محمد عبده شوقي مفتشًا بمصلحة الأملاك الأميرية التابعة لوزارة المالية، التحق شوقي بمدرسة «الناصرية» الابتدائية وتخرج منها عام 1937، ثم واصل تعليمه في مدرسة الفنون التطبيقية، وحصل منها على دبلوم في وقت لاحق، قبل أن يبدأ مشواره المهني موظفًا في نفس المصلحة التي عمل بها والده.

لكن شغفه الحقيقي كان دائمًا في اتجاه آخر… نحو التمثيل والفن، منذ صغره، أحب فريد المسرح، خاصة وأن والده كان صديقًا للكاتب المسرحي عبد الجواد محمد، سكرتير فرقة رمسيس الشهيرة، هذا القرب من الوسط المسرحي ساعد في صقل موهبته مبكرًا، حيث كان يصطحبه والده لمشاهدة عروض الفرق المسرحية الكبرى، وهو ما جعله يقرر المضي قدمًا في هذا الطريق.

انخرط فريد شوقي خلال سنوات دراسته في الحركة المسرحية، وشارك في فرق الهواة، وتعلّم على يد المخرج الكبير عزيز عيد، كما وقف على خشبة المسرح مع عمالقة الفن مثل يوسف وهبي، ونجيب الريحاني، وعلى الكسار، وفاطمة رشدي، وجورج أبيض، لكنه في ذات الوقت لم يُهمل دراسته أو وظيفته الحكومية التي استمر بها لفترة قصيرة، إلى أن قرر التفرغ الكامل للفن.

في عام 1945، ومع افتتاح المعهد العالي للفنون المسرحية، التحق به فريد شوقي، وحصل على دبلوم التمثيل، ليبدأ مرحلة احترافية في مسيرته، بدأها بتقديم أدوار الشر على المسرح والسينما، قبل أن يعيد تشكيل صورته الفنية تدريجيًا، بعد ثورة يوليو 1952، قدّم مع المخرج صلاح أبو سيف أولى خطواته في السينما الواقعية من خلال فيلم “الأسطى حسن”، وهو الفيلم الذي غيّر مسار حياته، وأثبت من خلاله قدرته على تجسيد شخصية “ابن البلد” بكل تفاصيلها وصدقها.

توالت النجاحات بعد ذلك، فقدم أفلامًا أصبحت علامات في تاريخ السينما المصرية، مثل “حميدو” و”رصيف نمرة 5″ و”النمرود”، ثم بدأ في كتابة وإنتاج أفلامه بنفسه، وقدم أعمالًا مثل “جعلوني مجرمًا” و”بورسعيد”، والتي كرّست صورته كبطل شعبي ارتبط بقضايا الناس وواقعهم، ليصبح أحد أبرز النجوم الذين شكّلوا وعي ووجدان الجمهور العربي لسنوات طويلة.

امتدت مسيرة فريد شوقي الفنية إلى أكثر من نصف قرن، تنقل خلالها بين السينما والمسرح والتلفزيون، وكان يتمتع بقدرة نادرة على تجديد نفسه وتقديم أدوار متعددة ما بين الشرير، والأب، وابن البلد، ورجل القانون، والعاشق، فاستحق أن يكون نجم الشباك الأول لعقود طويلة.

في تصريح سابق، قال الناقد الفني طارق الشناوي إن فريد شوقي كان يتمتع بجاذبية جماهيرية استثنائية، وكان الجمهور يمنحه “شيكًا على بياض” يتجاوز به أي أخطاء فنية، كما امتلك شجاعة الاعتراف بهذه الأخطاء، خاصة في بعض الأعمال التي أُنتجت في فترات ضعف السوق الفني، والمعروفة بـ”أفلام المقاولات”، حيث صرّح أنه وافق عليها لحاجته المادية، وهو اعتراف يعكس صدقه ووضوحه أمام جمهوره.

وكان الفنانون يطلقون عليه لقب “الملك”، وهو اللقب الذي لم يكن مجرد مجاملة، بل كان تعبيرًا عن الاحترام والحب والتقدير الذي ناله من أقرانه، وهو الذي لم يغب أبدًا عن الساحة، حتى في آخر أيامه، حيث ظل يعمل ويبدع ويقدم شخصيات جديدة حتى وفاته.