في ذكرى ميلاده الـ84، أسامة أنور عكاشة “فيلسوف الدراما” الذي أحدث ثورة في عالم الشاشة

تحل اليوم، 27 يوليو، الذكرى الرابعة والثمانون لميلاد الكاتب والسيناريست الكبير أسامة أنور عكاشة، الذي يُعتبر أحد أبرز أعمدة الدراما العربية الحديثة، فهو لم يكن مجرد كاتب للمسلسلات بل كان مفكرًا إنسانيًا عميقًا، سعى من خلال أعماله لتحويل الدراما من وسيلة ترفيه سطحية إلى أداة فكر وتحليل ونقد اجتماعي وسياسي شامل.

في ذكرى ميلاده الـ84، أسامة أنور عكاشة “فيلسوف الدراما” الذي أحدث ثورة في عالم الشاشة
في ذكرى ميلاده الـ84، أسامة أنور عكاشة “فيلسوف الدراما” الذي أحدث ثورة في عالم الشاشة

نشأة الكاتب أسامة أنور عكاشة

وُلد عكاشة في عام 1941 بمحافظة الغربية، ونشأ في بيئة مصرية أصيلة تحمل الكثير من ملامح الطبقة الوسطى التي دافع عنها في أعماله، وحاول أن يعكس قضاياها وتطلعاتها وتناقضاتها، حصل على درجة الليسانس من قسم علم النفس بكلية الآداب، وهو التكوين الأكاديمي الذي كان له تأثير بالغ في مسيرته الفنية، حيث تجلّى بوضوح في قدرته الفذة على تحليل الشخصيات وتعقيداتها النفسية، والغوص في دواخلها لرسم نماذج بشرية قريبة من الواقع بكل تناقضاتها وضعفها وقوتها.

تميّز أسامة أنور عكاشة بأسلوبه الدرامي العميق والإنساني في آنٍ واحد، فكان يحكي قصص الناس من داخلهم لا من حولهم، وينسج العلاقات بينهم كأنها مأخوذة من نبض الشارع الحقيقي، فصارت شخصياته مألوفة للجمهور، بل تحولت إلى رموز ثقافية حقيقية، ومن بين تلك الشخصيات الخالدة نجد “علي البدري” و”سليم البدري” من “ليالي الحلمية”، و”حسن أرابيسك” من المسلسل الذي يحمل الاسم ذاته، و”عصفور المطر” في “الشهد والدموع”، وغيرها من الشخصيات التي تجاوزت حدود الشاشة لتعيش في وجدان المشاهدين لعقود.

لم يكن عكاشة صانع دراما تقليديًا، بل كان مؤسس مدرسة فكرية داخل الكتابة التلفزيونية، حيث اعتمد على التحليل الاجتماعي والسياسي في بناء أعماله، فناقش قضايا شائكة مثل السلطة والهوية والفساد والعدالة، وطرح تساؤلات وجودية عن الإنسان والوطن والمستقبل، دون شعارات مباشرة أو إسقاطات سطحية، بل بأسلوب أدبي راقٍ يجمع بين السرد المحكم والحوار الوجداني العميق.

موقف أسامة أنور عكاشة الوطني

عُرف عنه أيضًا موقفه الفكري والوطني الواضح، فقد كان يحمل رؤية نقدية للمجتمع والدولة، وحرص في كتاباته على تجسيد الصراع بين الإنسان وظروفه، بين الحلم والواقع، وبين الحرية والقيود، وكان يرى أن الفن لا يجب أن يكون مجرد وسيلة للهروب من الواقع، بل قوة تغيير وتحفيز للوعي الجمعي.

قدّم أسامة أنور عكاشة أكثر من 40 عملاً دراميًا، بين مسلسلات وأفلام وسيناريوهات، تعاون فيها مع نخبة من المخرجين والنجوم، وأسهم في صناعة جيل جديد من الفنانين الذين صعدوا إلى النجومية من خلال شخصياته، كما أثرى الثقافة العربية بكتاباته التي كانت تُقرأ قبل أن تُشاهد، لما تحمله من رؤية فلسفية متماسكة ومنهجية فكرية رصينة.

في ذكرى ميلاده، لا يزال اسم أسامة أنور عكاشة حاضرًا في وجدان المشاهدين والنقاد والمثقفين، باعتباره رائدًا ومجددًا وصوتًا عاقلاً في زمن الضوضاء، وواحدًا من أولئك القلائل الذين جعلوا من الدراما مرآة حقيقية للمجتمع، وأداة لصياغة الوعي وتشكيل الذوق العام.

رحل عكاشة عن عالمنا في يونيو 2010، لكنه ترك خلفه إرثًا فنيًا وفكريًا لا يُقدّر بثمن، ودرسًا خالدًا في أن الكلمة الصادقة قادرة على أن تعيش أكثر من صاحبها، وتبقى جسرًا دائمًا بين المبدع وجمهوره.