دلالات توقف إسرائيل عن العمليات العسكرية ضد غزة في هذا التوقيت

في ظل استمرار تعثر المفاوضات حول وقف إطلاق النار، أعلنت إسرائيل عن وقف مؤقت وتكتيكي محدود لعملياتها العسكرية في بعض مناطق القطاع، مما أثار الكثير من التساؤلات حول دوافعها الحقيقية، خاصة في ظل تصاعد الانتقادات الدولية.

دلالات توقف إسرائيل عن العمليات العسكرية ضد غزة في هذا التوقيت
دلالات توقف إسرائيل عن العمليات العسكرية ضد غزة في هذا التوقيت

جاء هذا الإعلان في وقت تتفاقم فيه الأزمة الإنسانية في غزة، حيث انتشرت صور لأطفال يعانون من الجوع، ملأت صفحات الصحف والمجلات الكبرى في أوروبا والولايات المتحدة، مما دفع العديد من الأطراف الدولية إلى المطالبة بإجراءات عاجلة لإنقاذ الوضع.

بدا القرار الإسرائيلي كاستجابة متأخرة للضغوط العالمية المتزايدة، ومحاولة لامتصاص الغضب الدولي المتنامي إزاء الأوضاع الكارثية في القطاع المحاصر، فعلى الرغم من محاولات حكومة الاحتلال الإسرائيلي تبرير القيود التي فرضتها على دخول المساعدات الإنسانية، لم تجد تلك المبررات قبولاً دولياً، ما أجبرها على اتخاذ خطوة تخفيفية محدودة لتقليل حدة الانتقادات.

ضغوط متزايدة وتحول في المواقف الدولية

خلال الأيام الأخيرة، كشفت مصادر إسرائيلية عن تلقي كبار المسؤولين في تل أبيب اتصالات متكررة من قادة دول وشخصيات مؤثرة تطالب بإنهاء المأساة الإنسانية في غزة.

وأقر الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ بوجود موجة متنامية من الاتصالات والرسائل التي وصلت من مسؤولين وصحفيين وزعماء يهود حول العالم، دعت جميعها إلى تحرك فوري.

لكن إسرائيل سعت إلى تحويل المسؤولية باتجاه المؤسسات الأممية والدولية، متهمة إياها بالتقاعس عن توزيع المساعدات، وهو ما نفته تلك الجهات، وأكدت مراراً أن العوائق الحقيقية أمام إيصال المساعدات مرتبطة بالقيود الإسرائيلية نفسها.

قال هرتسوغ إن “المساعدات لا يجب أن تبقى معلقة أو تقع في أيدي حماس، وقد طالبت إسرائيل منذ وقت طويل الأمم المتحدة بالتحرك”، داعياً المنظمات الدولية إلى تحمل مسؤولياتها، في خطاب يهدف إلى إعادة توجيه اللوم بعيداً عن تل أبيب.

مؤسسة “غزة الإنسانية” مرفوضة دولياً

في محاولة لتجاوز المؤسسات الدولية، حاولت إسرائيل فرض كيان جديد تحت اسم “مؤسسة غزة الإنسانية”، بدعم مباشر من واشنطن، لتكون قناة بديلة لتوزيع المساعدات، لكن هذه المحاولة قوبلت برفض قاطع من قبل الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الكبرى، بل وواجهت المؤسسة موجة انتقادات إعلامية واسعة، اضطرتها إلى إصدار سلسلة من التوضيحات والدفاعات التي لم تفلح في إضفاء الشرعية عليها.

الضغوط تتسع من الخارج والداخل

مع تصاعد الانتقادات الدولية، لم تعد إسرائيل قادرة على الاكتفاء بالدعم الغربي التقليدي الذي كانت تستند إليه في بداية الحرب، فقد تحولت التحذيرات الدولية من نقاشات مغلقة خلف الأبواب إلى بيانات علنية، فيما عبر حتى حلفاء تقليديون لإسرائيل، بمن فيهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن استيائهم من المشاهد القادمة من غزة.

وفي الوقت الذي تصر فيه إسرائيل رسمياً على نفي وجود مجاعة في القطاع، يقر عدد من مسؤوليها بوجود أزمة إنسانية “معقدة”، بينما يذهب وزراء يمينيون متشددون إلى حد المطالبة بوقف كامل لدخول أي مساعدات، وهو ما يعكس الانقسام داخل الحكومة الإسرائيلية.

كان لافتاً أن قرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتخفيف بعض القيود الإنسانية قد صدر في غياب الوزراء الأكثر تطرفاً، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، مستغلاً فترة السبت لتمرير القرار دون مواجهتهم مباشرة.

تهدئة مؤقتة وخيارات صعبة

قد يمنح الوقف المؤقت للعمليات العسكرية والسماح بإنزال جوي محدود للمساعدات حكومة الاحتلال الإسرائيلي مهلة قصيرة لتخفيف الضغط الدولي المتزايد، لكنه في الوقت نفسه يثير خلافات داخلية تهدد تماسك الائتلاف الحاكم.

يرى مراقبون أن هذا التوتر، إلى جانب تصاعد الانتقادات الدولية، قد يدفع حكومة نتنياهو في نهاية المطاف نحو القبول باتفاق لوقف إطلاق النار، لا سيما إذا كان هذا الاتفاق يتضمن صفقة لإعادة الأسرى الإسرائيليين، وهو ما قد يتيح لنتنياهو مخرجاً سياسياً يحفظ ماء الوجه داخلياً ويخفف الضغوط الخارجية المتنامية.