أزمات استوديو التحليل وهل تستطيع قوانين المجلس الأعلى للإعلام ضبطها؟

تذكرون ذلك المساء الذي شهدت فيه المقاهي والشوارع حماسًا غير عادي، لم يكن بسبب انتصار فريق أو هزيمة آخر، بل بسبب عبارات نارية انطلقت من شاشات التلفاز، مما أشعل فتيل التعصب وجعل النقاشات الرياضية تتحول إلى معارك شخصية، لم يكن هذا المشهد مجرد حالة عابرة، بل أصبح صورة مقلقة تُظهر حال الإعلام الرياضي المصري في السنوات الأخيرة، “ترند، جدل، مشاكل، أزمات شخصية”… كلمات تعكس واقعًا مؤلمًا لمهنة كانت تعتبر منارة للتوعية والتحليل، هذه الفوضى لم تعد خافية على أحد، ويبدو أن صوت الجماهير وقلقها على المشهد الرياضي قد وصل إلى صناع القرار.

أزمات استوديو التحليل وهل تستطيع قوانين المجلس الأعلى للإعلام ضبطها؟
أزمات استوديو التحليل وهل تستطيع قوانين المجلس الأعلى للإعلام ضبطها؟

في خضم هذه التحديات، وبعد سنوات من حالة “العبث” التي طغت على الشاشات الرياضية، ومع اقتراب انطلاق الموسم الكروي الجديد، يلوح في الأفق بصيص أمل في محاولة لضبط إيقاع المشهد، لقد طغى الطابع الشخصي على المحتوى، ليصبح الجدل حول “فلان قال علان” أكثر أهمية من مناقشة أسباب تراجع مستوى فريق أو استراتيجيات تطوير اللعبة، هذا المشهد العبثي دفع العديد من الجماهير للتساؤل عن الدور الحقيقي للإعلام، هل هو للتنوير أم للتشويش؟

شهد الإعلام الرياضي المصري تحولًا لافتًا في مضمونه، البرامج التي كان يُفترض بها أن تقدم تحليلًا عميقًا ونقاشًا مهنيًا، أصبحت، في كثير من الأحيان، مسرحًا لبث التعصب وتصفية الحسابات الشخصية، يقول اللاعب الدولي السابق تامر عبد الحميد، في تصريح يعكس مرارة الواقع: “الإعلام دوره مهم جدًا على الوسط الرياضي، فهناك كثير من القرارات التي يتم اتخاذها في الوسط على خلفية جماهيرية، وهذه الخلفية يتحكم في تشكيلها التوجه الإعلامي”، هذا الكلام يؤكد أن المحتوى الإعلامي بات يؤثر بشكل مباشر على الجماهير، وبالتالي على متخذي القرار، مما يفرض مسؤولية أخلاقية ومهنية كبرى.

لعنة “الترند”

لم ينجُ الإعلام الرياضي، كغيره من مجالات الإعلام الحديثة، من الوقوع فريسة لمرض العصر: “الترند”، لقد تحولت الشهرة اللحظية وارتفاع نسب المشاهدة إلى “تارجت” أساسي لبعض الإعلاميين، حتى وإن كان الثمن هو التضحية بالهدف الأسمى للمهنة، ففي سباق محموم نحو تحقيق “المجد الوهمي”، بات بعض الإعلاميين يختارون مضمونًا لمحتواهم لا يخدم القضايا الهامة، بل يثير الجدل ويغذي التعصب، أزمة تصريحات حول التحكيم: كثيرًا ما شهدنا تصريحات مثيرة للجدل من إعلاميين بعد مباريات حساسة، تتهم الحكام بالتحيز أو تثير الشكوك حول نزاهة المنافسة، مثل أزمة تصريحات مرتضى منصور رئيس الزمالك السابق ضد التحكيم، التي غالبًا ما كانت تحظى بتفاعل جماهيري واسع، لكنها في جوهرها كانت تهدف إلى إثارة الرأي العام وتحقيق نسب مشاهدة عالية، على حساب تقبل النتائج بروح رياضية.

الخلافات الشخصية على الشاشات: تحولت بعض البرامج إلى ساحات مفتوحة لتبادل الاتهامات بين الإعلاميين أنفسهم أو بينهم وبين مسؤولين رياضيين، مما أدى إلى تراشق لفظي شهير بين أحمد شوبير وأحد مسؤولي الأندية، وهو ما يُعتبر مثالًا صارخًا على كيفية استخدام الفضاء الإعلامي لتصفية الحسابات الشخصية بدلًا من التركيز على قضايا الرياضة الجوهرية، التجييش الجماهيري: بعض الإعلاميين يتعمدون طرح القضايا بطرق استفزازية، وبإبداء آراء غريبة تهدف إلى تحريض الجماهير على التعصب والكراهية بين الأندية، كما حدث في أزمات “المارد الأحمر” و”القلعة البيضاء” المتكررة التي تغذيها بعض التصريحات التي تخرج عن إطار النقد الرياضي البناء إلى التحريض الصريح، يقر كريم حسن شحاتة، وهو يحلل هذا الواقع، بأن “الترند يؤثر على بعض الإعلاميين وهذا الموضوع ليس له علاج، أحيانًا تكون هناك مواضيع مثيرة فتقول رأيك فيها وقد يكون رأيك مثيرًا ويصبح تريند، وفيه ناس تتعمد عمل تريند”، هو اعتراف بأن الرقابة، رغم أهميتها، قد لا تكون كافية وحدها في مواجهة هذا التحدي العميق.

شبح “تضارب المصالح”

لم يقف الإعلام الرياضي بمعزل عن آفة “تضارب المصالح” التي احتلت أجزاء واسعة من الوسط الرياضي، هذه الظاهرة، التي تمثل تحديًا كبيرًا أمام دور الإعلام وشفافيته، أدت إلى تشويه الحقائق وفقدان المصداقية، فقد استخدم بعض الإعلاميين والصحفيين الوسائل الإعلامية للمجاملات وتحقيق أغراض شخصية، على سبيل المثال، نجد بعض الإعلاميين يروجون للاعب بعينه إذا كانت تربطهم به علاقة شخصية أو علاقة بوكيل أعمال اللاعب، بل وقد يصل الأمر إلى الدفاع عن نادٍ معين دون حيادية، في طرح المشكلة أو القضية، مما يفقدهم البوصلة المهنية، يشير كريم شحاتة إلى أن “تضارب المصالح يؤثر على نسبة من 30% إلى 40% على البرامج الرياضية، ممكن تجد واحد عضو مجلس إدارة وإعلامي فلا يستطيع التحدث في السلبيات”، هذا التداخل بين المناصب والمصالح يخلق تعارضًا يمنع أي محتوى مهني حيادي، يؤكد تامر عبد الحميد أن “تضارب المصالح الشخصية كانت وما زالت وسوف تظل هي المحرك الأساسي في أي عمل أو أي محتوى إعلامي، إلا من رحم ربي”، هو يقر بصعوبة التغلب على هذا التحدي نظرًا لتغلغله في التركيبة البشرية والعمل الإعلامي والاقتصادي، حيث يتحول المعلن والجمهور إلى مصالح شخصية تترجم في النهاية إلى “مادة” على حساب المحتوى.

تحرك رسمي

في خضم هذا المشهد المضطرب، جاء التحرك الأخير من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ليجدد الأمل في إمكانية تصحيح المسار، فقد عقد المهندس خالد عبدالعزيز، رئيس المجلس، اجتماعًا هامًا مع أعضاء لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي بتشكيلها الجديد، برئاسة المستشار عبدالسلام النجار، نائب رئيس مجلس الدولة وعضو المجلس، ضم الاجتماع كوكبة من الخبرات الإعلامية والرياضية، شملت السيد/ محمد إبراهيم مصطفى محمد، المشرف على البرامج الرياضية بالتليفزيون المصري، ود. محمد فضل الله، أستاذ التربية الرياضية بجامعة حلوان، والمهندس شريف أمين، خبير الإدارة الرياضية، والكاتب الصحفي أيمن بدرة، والسيد/ عبدالفتاح حسن، رئيس قطاع قنوات النيل المتخصصة الأسبق، والسيد/ محمد عادل ماهر، الخبير الإعلامي، والكاتبة الصحفية عبير أنور، كان المحور الأبرز في هذا اللقاء هو مناقشة دعوة بعض الإعلاميين العاملين في البرامج الرياضية لعقد لقاء موسع خلال الأسبوع المقبل، استعدادًا لانطلاق الموسم الرياضي الجديد، هذه الخطوة تمثل بادرة إيجابية ومحاولة لفتح قنوات حوار مباشرة مع القائمين على صناعة المحتوى الرياضي، بهدف وضع أسس لضبط الأداء الإعلامي.