لطفي لبيب من الجندية إلى الكتابة.. تأثير حرب أكتوبر على شخصيته

فقدنا منذ ساعات قليلة الفنان الكبير، الذي رحل عن عالمنا عن عمر يناهز 77 عاماً، بعد صراع طويل مع المرض، وسيتم تشييع جنازته غدًا من كنيسة مار مرقس في تمام الساعة 12 ظهرًا.

لطفي لبيب من الجندية إلى الكتابة.. تأثير حرب أكتوبر على شخصيته
لطفي لبيب من الجندية إلى الكتابة.. تأثير حرب أكتوبر على شخصيته

لطفي لبيب يُعتبر من أبرز الفنانين المصريين في العقود الأخيرة، فهو لا يُعرف فقط بخفة ظله وتنوع أدواره، بل يمتلك خلفية إنسانية ووطنية مميزة تعكس جانبًا عميقًا في شخصيته، وكثيرون لا يعلمون أن هذا الفنان، قبل أن يدخل عالم التمثيل، كان جنديًا في حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، وهي التجربة التي تركت أثرًا عميقًا في وجدانه، وانعكست لاحقًا في كتابه “الكتيبة 26”، الذي يُعد شهادة أدبية وإنسانية على تلك المرحلة المفصلية في تاريخ مصر.

لطفي لبيب من السلاح إلى القلم

بعد تخرجه من كلية الآداب قسم الفلسفة، التحق لطفي لبيب بالخدمة العسكرية، ليشارك في حرب أكتوبر 1973 ضمن صفوف الكتيبة 26، وهي وحدة مشاة خاضت معارك طاحنة في سيناء، وهذه التجربة شكلت وجدانه وغرست فيه قيم التضحية والانضباط والصبر، وتركَت ندوبًا وجدانية ظل يحملها لسنوات.

لاحقًا، عندما دخل الفنان لطفي لبيب المجال الفني، لم تكن هذه التجربة غائبة عن ذهنه، بل قرر أن يُخلدها عبر كتابة “كتاب الكتيبة 26”، وهو ليس كتابًا تاريخيًا أو رواية تقليدية، بل سرد شبه توثيقي ذاتي يقدّم فيه شهادته على الحرب من وجهة نظر إنسان بسيط خاض غمارها.

كتاب “الكتيبة 26”

صدر كتاب “الكتيبة 26” في مطلع الألفينات، وجاء في قالب أدبي بسيط ولكنه صادق، بعيد عن المبالغة الدرامية أو التهويل، استخدم لطفي لبيب أسلوب السرد الشخصي ليحكي ما عاشه كجندي، موثّقًا لحظات الرعب والحنين والفقد والخوف، ولكنه أيضًا أضاء جوانب من camaraderie (رفاق السلاح) والتحدي والنصر.

محتوى الكتاب:
• وصف للحياة اليومية في الكتيبة قبل وأثناء الحرب
• مواقف إنسانية وجنود لا تُنسى
• نظرة فلسفية أحيانًا حول الحرب والموت والحياة
• تعبير صادق عن مشاعر الشك والخوف والأمل

ما يميز هذا الكتاب عن غيره: الصدق والبساطة، حيث لا يزيف البطولة ولا يُخفي الضعف، الجانب الإنساني الذي لا يركز فقط على القتال، بل على حياة الجنود كأشخاص، واللغة السهلة التي جعلته قريبًا من الجمهور، خاصة الشباب

تأثير التجربة العسكرية على شخصيته وأعماله الفنية

خدمة لطفي لبيب في الحرب لم تكن مجرد مرحلة زمنية، بل شكّلت رؤيته الفنية والإنسانية، حيث تعلم الانضباط والالتزام، وهما صفات ظهرت جلية في تعاملاته الفنية، حيث يُعرف بدقته وهدوئه في الكواليس، والوعي الوطني الذي تجلى في كثير من أدواره التي تعكس حب الوطن، حتى في الأدوار الكوميدية، والعمق الإنساني الذي قدّم شخصيات “بسيطة” ولكن بثقل وتجربة واضحة.

حتى في أدواره الساخرة أو البسيطة، تجد خلفية غنية وحساسية واضحة تجاه القضايا الوطنية والإنسانية، وكأنه لا ينفصل أبدًا عن تجربته الأولى في ميادين القتال.

وأخيرًا، لطفي لبيب لم يكن مجرد فنان أضحك الجمهور بأدائه المميز، بل هو شاهد على مرحلة فارقة من تاريخ مصر، كتابه “الكتيبة 26” شهادة حية من قلب الحرب، تسرد ما لا تُظهره الوثائق الرسمية أو الروايات الكبرى، إنسانية الجندي المصري، وصدقه، وخوفه، وشجاعته، وربما هنا تتجلى عظمة لطفي لبيب، في أنه لم يكتفِ بأن يكون صوتًا فنيًا فقط، بل أصبح أيضًا قلمًا صادقًا يوثق للذاكرة الوطنية.