تخوض أوكرانيا سباقًا مع الزمن لتنفيذ أكبر مشروع دفاعي لها منذ بداية الغزو الروسي، حيث تسعى لاحتواء التقدم الروسي المتسارع على أراضيها خلال عام 2025، وتكثف كييف جهودها لبناء مئات الأميال من التحصينات والخطوط الدفاعية تزامنًا مع تصاعد الهجمات الروسية في الصيف.

ممكن يعجبك: نتنياهو يعتبر نزع السلاح من غزة شرطاً أساسياً لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار
في إطار هذه التحصينات، أقامت القوات الأوكرانية حواجز ودروعًا وخنادق عميقة، مستندة إلى قاعدة عسكرية شهيرة تقول: “الجيش الذي يحفر أعمق، هو الجيش الذي ينجو”، كما أوضح العقيد أوليه ريزونينكو، وهو مهندس عسكري بارز في الجيش الأوكراني.
تعزيز الدفاعات وتحذيرات من تكرار “خطيئة ماجينو”
تواجه أوكرانيا تحديًا كبيرًا في مجاراة الجيش الروسي، الذي يجند آلاف المجندين الجدد لخوض معارك شرسة مقابل مكاسب ميدانية طفيفة، بينما تعاني الوحدات الأوكرانية من نقص في الأفراد والموارد، وتواصل روسيا تعديل تكتيكاتها على الأرض بشكل يومي، متقدمة ببطء ولكن بثبات، خاصة عبر استغلال نقاط الضعف الدفاعي في شمال البلاد.
على مدار الأشهر الثمانية عشر الماضية، تمكنت القوات الروسية من اختراق العديد من مواقع الضعف الأوكرانية، وبدأت هجومًا جديدًا في الشمال يضم نحو 50 ألف جندي، وتحاول أوكرانيا الآن منع تكرار هذه الاختراقات من خلال إقامة ثلاثة خطوط دفاع متتالية، خاصة في الجبهة الشرقية التي تشهد محاولات روسية مستمرة للسيطرة على مدينتي بوكروفسك وكوستيانتينيفكا الحيويتين.
غير أن بعض الجنود الأوكرانيين حذروا من أن الدفاعات المتفرقة وغير المتجانسة قد تتحول إلى نسخة مكررة من “خط ماجينو” الفرنسي، الذي تمكنت القوات الألمانية من تجاوزه بسهولة في الحرب العالمية الثانية.
توزيع مسؤوليات التحصين
تُبنى خطوط الدفاع الأمامية بواسطة الوحدات العسكرية المنتشرة على الجبهة، بينما تعمل وحدات متخصصة مثل فرقة العقيد ريزونينكو على إنشاء الخط الدفاعي الثاني، أما التحصين الثالث فتتولاه الإدارات المدنية الإقليمية، ويشمل تعزيز المدن الكبرى وتحصين الحدود والمناطق الاستراتيجية، حيث تم تصميم كل طبقة لتكون عائقًا إضافيًا أمام تقدم القوات الروسية.
خصصت الحكومة البريطانية أكثر من 1.1 مليار دولار لمشروعات التحصين الأوكرانية في عام 2024، وهو ما يمثل حوالي 2% من إجمالي الإنفاق العسكري الأوكراني لهذا العام، ويُعتبر ارتفاعًا كبيرًا مقارنة بالسنوات الماضية.
تغيّر ملامح ساحة المعركة
في بداية الغزو عام 2022، كانت أوكرانيا تعتمد على خنادق طويلة لحماية وحدات عسكرية كبيرة، أما الآن، فقد تغيرت طبيعة المعركة بشكل جذري مع انتشار الطائرات المسيرة الانتحارية الصغيرة، القادرة على ضرب أهداف دقيقة عبر ثغرات ضيقة في الدفاعات، مما فرض ضرورة إنشاء خنادق أعمق، تتضمن ملاجئ صغيرة للقوات ومراكز قيادة للطائرات المسيرة مزودة بشبكات حماية ضد الهجمات الجوية والمسيرات.
ومع ذلك، لم تتخلَ أوكرانيا عن الدفاعات التقليدية مثل الخنادق المضادة للدبابات، بالنظر إلى أن روسيا تواصل الاعتماد على أساليب قتالية تجمع بين تقنيات الحرب القديمة والحديثة ضمن ما يُعرف بحرب الأسلحة المشتركة.
دروس من إخفاقات 2023
تعلمت أوكرانيا درسًا قاسيًا من هجومها المضاد في صيف 2023، حين علقت قواتها وأسلحتها الغربية المتطورة داخل شبكة الخنادق الروسية المحصنة، بما فيها الحواجز المضادة للدبابات والخنادق المتدرجة، مما دفع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لإصدار تعليمات بتسريع وتيرة بناء التحصينات، ودعا الشركات الخاصة والمانحين للمشاركة في مشروع التحصين الوطني.
لكن جهود كييف لم تكن كافية لمنع القوات الروسية من التقدم، إذ تمكنت دبابات وجنود موسكو من اختراق أحد القطاعات الضعيفة في شمال البلاد بالقرب من خاركيف خلال ربيع 2024، وقد أظهرت صور التقطها صحفيون محليون انتشار “أسنان التنين” المضادة للدبابات على الأرض بعد أن انقلبت، مما أثار موجة من الانتقادات ضد القيادة العسكرية الأوكرانية بسبب ما وصفوه بنقص الاستعداد والتخطيط.
الخطر يقترب من سومي
تقترب القوات الروسية اليوم من مدينة سومي الاستراتيجية، ولا تفصلها عنها سوى 12 ميلاً فقط، وفيما يحذر الجنود من غياب التحصينات اللازمة، يرى البعض أن كييف أهدرت الوقت عندما كانت تسيطر على مواقع داخل منطقة كورسك الروسية، دون استغلال تلك الفترة في إقامة دفاعات قوية داخل الأراضي الأوكرانية المجاورة.
مقال له علاقة: ترامب يسعى لتحقيق “سلام بالقوة” في دمشق وتل أبيب، فهل ينجح؟
في الوقت الذي يتواصل فيه الهجوم الروسي بوتيرة عالية، يدرك الأوكرانيون أن الدفاع عن البلاد لم يعد يقتصر على التكتيكات، بل صار رهينًا بسرعة الحفر، وعمق الخنادق، وصلابة الإرادة في مواجهة آلة حرب لا تهدأ.